إمتاع الأسماع - المقريزي - ج ٨ - الصفحة ٩٢
وأما مناماته عليه السلام (1)

(1) سئل ابن الصلاح عن تفسير قوله تعالى: (الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون) [الزمر: 42].
أجاب: الله يقبض الأنفس حين انقضاء أجلها بموت أجسادها، فلا يردها إلى أجسادها، والله يقبضها أيضا عند نومها، فيمسك التي قضى عليها الموت بموت أجسادها، فلا يردها إلى أجساها، ويرسل الأخرى التي لم تقبض بموت أجسادها حتى تعود إلى أجسادها، إلى أن يأتي الأجل المسمى لموتها.
(إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون)، لدلالات المتفكرين، على عظيم قدرة الله سبحانه، وعلى أمر البعث، فإن الاستيقاظ بعد النوم شبيه ودليل عليه.
وقد نقل أن في التوراة: يا ابن آدم، كلما تنام تموت، وكلما تستيقظ تبعث، فهذا واضح، والذي يشكل في ذلك أن النفس المتوفاة في المنام أهي الروح المتوفاة عند الموت؟ أم هي غيرها؟ فإن كانت هي الروح فتوفيها في النوم يكون بمفارقتها الجسد أم لا؟ وقد أعوز الحديث الصحيح، والنص الصريح، والإجماع أيضا لوقوع الخلاف فيه بين العلماء:
فمنهم: من يرى أن للإنسان نفسا تتوفى عند منامه، غير النفس التي هي الروح، والروح لا تفارق الجسد عند النوم، وتلك النفس المتوفاة في النوم هي التي يكون بها التمييز والفهم، وأما الروح: فيها تكون الحياة، ولا تقبض إلا عند الموت، ويروى معنى هذا عن ابن عباس رضي الله عنهما، ومنهم: من ذهب إلى أن النفس التي تتوفى عند النوم هي الروح نفسها، واختلف هؤلاء في توفيها:
فمنهم: من يذهب إلى أن معنى وفاة الروح بالنوم قبضها عن التصرفات مع بقائها في الجسد، وهذا موافق للأول من وجه، ومخالف من وجه.
ومنهم: من ذهب إلى أن الروح تتوفى عند النوم، بقبضها من الجسد ومفارقتها له، وهذا الذي نجيب به، وهو الأشبه بظاهر الكتاب والسنة.
قال المفسرون: إن أرواح الأحياء والأموات تلتقي في المنام فتتعارف ما شاء الله، فإذا أرادت جميعها الرجوع إلى أجسادها، أمسك الله أرواح الأموات عنده، وحبسها، وأرسل أرواح الأحياء حتى ترجع إلى أجسادها.
فالفرق بين القبضتين والوفاتين أن الروح في حالة النوم تفارق الجسد على أنها تعود إليه، فلا تخرج خروجا ينقطع به العلاقة بينها وبين الجسد، بل يبقى أثرها الذي هو حياة الجسد باقيا فيه، فأما في حالة الموت، فالروح تخرج من الجسد مفارقة له بالكلية، فلا تخلف فيه شيئا من أثرها، فلذلك تذهب الحياة معها عند الموت دون النوم.
ثم إن إدراك كيفية ذلك والوقوف على حقيقة متعذر، فإنه من أمر الروح، وقد استأثر بعلمه الجليل تبارك وتعالى، فقال سبحانه: (قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا) [الإسراء: 85].
وأما قوله تعالى: (قالوا أضغاث أحلام) فإن الأضغاث جمع ضغث وهو الحزمة التي تقبض من الحشيش ونحوه، والأحلام: جمع حلم، وهي الرؤيا مطلقا، وقد تختص بالرؤيا التي تكون من الشيطان، فمعنى الآية أنهم قالوا للملك: إن الذي رأيته أحلام مختلطة ولا يصح تأويلها.
وقد أفرد بعض أهل التعبير اصطلاحا لأضغاث الأحلام، من شأنها أنها لا تدل على الأمور المستقبلة، وإنما تدل على الأمور الحاضرة أو الماضية، ونجد معها أن يكون الرائي خائفا من شئ، أو راجيا لشئ.
وقال علي رضي الله عنه: فما رأته نفس النائم وهي في السماء قبل إرسالها إلى جسدها فهي الرؤيا الصادقة، وما رأته بعد إرسالها وقبل استقرارها في جسدها تلقيها الشياطين، وتخيل إليها الأباطيل، فهي الرؤيا الكاذبة.
وعن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كما تنامون فكذلك تموتون، وكما توقظون فكذلك تبعثون. وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، أينام أهل الجنة؟ قال: لا، النوم أخو الموت، والجنة لا موت فيها. [قال في (العلل المتناهية): وقد روي بإسناد أصلح من هذا] حديث رقم (1553). (دلائل البيهقي):
7 / 11 - 31 هامش مختصرا.
(٩٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 87 88 89 90 91 92 93 94 95 96 97 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 ليس فيما حرم شفاء 3
2 السعوط 4
3 ذات لجنب 6
4 الكحل 9
5 الحبة السوداء 12
6 السنا 14
7 التلبينة والحساء 16
8 اغتسال المريض 19
9 اجتناب المجذوم 24
10 وأما عرق النسا 31
11 وأما كثرة أمراضه صلى الله عليه وسلم 34
12 الحناء 35
13 الذريرة 38
14 وأما أنه صلى الله عليه وسلم سحر 40
15 وأما أنه صلى الله عليه وسلم سم 45
16 وأما أنه صلى الله عليه وسلم رقى 48
17 وأما أنه صلى الله عليه وسلم احتجم 56
18 وأما الكي والسعوط 62
19 وأما الحناء 64
20 وأما السفرجل 64
21 فصل في ذكر حركات رسول الله صلى الله عليه وسلم وسكونه 66
22 وأما عمله صلى الله عليه وسلم في بيته 66
23 وأما ما يقوله إذا دخل بيته صلى الله عليه وسلم 67
24 وأما ما يقوله إذا خرج من بيته صلى الله عليه وسلم 68
25 وأما مشيه صلى الله عليه وسلم 72
26 وأما نومه صلى الله عليه وسلم 80
27 وأما ما يقوله صلى الله عليه وسلم إذا استيقظ 89
28 وأما أن قلبه صلى الله عليه وسلم لا ينام 90
29 وأما مناماته عليه السلام 92
30 فصل في ذكر صديق رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل النبوة 139
31 ذكر أنه صلى الله عليه وسلم كان يحسن العوم في الماء صلى الله عليه وسلم 143
32 ذكر شريك رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل البعث 145
33 فصل في ذكر سفره صلى الله عليه وسلم 150
34 أما يوم سفره صلى الله عليه وسلم 150
35 وأما ما يقوله صلى الله عليه وسلم إذا خرج مسافرا 153
36 وأما ما يقوله صلى الله عليه وسلم إذا علا على شئ 158
37 وأما كيف سيره صلى الله عليه وسلم 161
38 وأما ما يقوله صلى الله عليه وسلم ويعمله إذا نزل منزلا 163
39 وأما ما يقوله صلى الله عليه وسلم في السحر 164
40 ذكر ما يقوله صلى الله عليه وسلم إذا رأى قرية 165
41 ذكر تنفله صلى الله عليه وسلم على الراحلة 166
42 وأما ما يقول إذا رجع من سفره صلى الله عليه وسلم 167
43 وأما ما يصنع إذا قدم من سفر صلى الله عليه وسلم 169
44 وأما كونه لا يطرق أهله ليلا 171
45 فصل في الأماكن التي حلها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهى الرحلة النبوية 174
46 وأما سفره صلى الله عليه وسلم مع عمه 174
47 وأما سفره صلى الله عليه وسلم في تجارة خديجة رضى الله تعالى عنها 186
48 وأما الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم ثم إلى السماوات العلى ورؤيته الآيات ربه الكبرى 190
49 فصل جامع في ذكر حديث الإسراء والمعراج 214
50 فأما رواية حديث الإسراء عن النبي صلى الله عليه وسلم 214
51 فصل جامع في معراج النبي صلى الله عليه وسلم 283
52 فصل في كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم لله عز وجل ليلة الإسراء 302
53 فصل في سفر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطائف 305
54 فصل في ذكر خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عكاظ، ومجنة وذى المجاز 309
55 فصل في ذكر هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة 316
56 فصل في ذكر غزوات رسول الله صلى الله عليه وسلم 330
57 غزوة الأبواء 332
58 غزوة بواط 334
59 غزوة بدر الأولى 336
60 غزوة ذي العشيرة 337
61 غزوة بدر الكبرى 339
62 غزوة بني قينقاع 346
63 غزوة السويق 348
64 غزوة قراره الكدر 350
65 غزوة ذي أمر، وهي غزوة غطفان 352
66 غزوة نجران 354
67 غزوة أحد 355
68 غزوة حمراء الأسد 357
69 غزوة بني النضير 359
70 غزوة بدر الموعد 362
71 غزوة ذات الرقاع 363
72 غزوة دومة الجندل 367
73 غزوة المريسيع 369
74 غزوة الخندق 372
75 غزوة بني قريظة 376
76 غزوة بني لحيان 379
77 غزوة الغابة 380
78 غزوة خيبر 382
79 عزوة الفتح 384
80 غزوة حنين 388
81 غزوة تبوك 391