إمتاع الأسماع - المقريزي - ج ٨ - الصفحة ١٠٦
قصر مثل [الربابة] البيضاء، قال: قالا لي: هذاك منزلك قال: قلت لهما:
بارك الله فيكما، ذراني فأدخله، قالا: أما الآن، فلا، وأنت داخله، قال:
قلت لهما: فإني قد رأت منذ الليلة عجبا، فما هذا الذي رأيت؟ [قال:] قالا لي: إنا سنخبرك.
أما الرجل الأول الذي أتيت عليه يثلغ رأسه بالحجر، فإنه الرجل يأخذ القرآن فيرفضه، وينام عن الصلاة المكتوبة.
وأما الرجل الذي أتيت عليه يشر شر شدقه إلى قفاه [ومنخره إلى قفاه]، وعينه إلى قفاه، فإنه الرجل يغدو من بيته، فيكذب الكذبة تبلغ الآفاق.
وأما الرجال والنساء العراة، الذين في مثل بناء التنور، [فهم] الزناة والزواني.
وأما الرجل الذي أتيت عليه بسبح في النهر ويلقم الحجارة، فإنه آكل الربا.
وأما الرجل الكريه المرآة الذي عند النار يحشها ويسعى حولها، فإنه [مالك] خازن جهنم.
وأما الرجل الطويل الذي في الروضة، فإنه إبراهيم صلى الله عليه وسلم، وأما الولدان الذين حوله، فكل مولود مات على الفطرة. قال: فقال بعض المسلمين: يا رسول الله! وأولاد المشركين؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وأولاد المشركين.
وأما القوم الذين كانوا شطر منهم حسنا، وشطر منهم قبيحا، فإنهم قوم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا، تجاوز الله عنهم (1).

(١) (فتح الباري): ١٢ / ٥٤٢ - ٥٤٤، كتاب التعبير، باب (٤٨) تعبير الرؤيا بعد صلاة الصبح، حديث رقم (٧٠٤٧).
قوله: (باب تعبير الرؤيا بعد صلاة الصبح) فيه إشارة إلى ضعف ما أخرجه عبد الرزاق عن معمر عن سعيد بن عبد الرحمن عن بعض علمائهم، قال: (لا تقصص رؤياك على امرأة، ولا تخبر بها حتى تطلع الشميس).
وفيه إشارة إلى الرد على من قال من أهل التعبير: أن المستحب أن يكون تعبير الرؤيا من بعد طلوع الشمس إلى الرابعة [من الشروق]، ومن العصر إلى قبل المغرب، فإن الحديث دال على استحباب تعبيرها قبل طلوع الشمس، ولا يخالف قولهم بكراهة تعبيرها في أوقات كراهة الصلاة.
قال المهلب: تعبير الرؤيا عند صلاة الصبح أولى من غيره من الأوقات، لحفظ صاحبها لها، لقرب عهده بها، قبل ما يعرض له نسيانها، ولحضور ذهن العابر، وقلة شغله بالفكرة فيما يتعلق بمعاشه، وليعرف الرائي ما يعرض له بسبب رؤياه، فيستبشر بالخير، ويحذر من الشر، ويتأهب لذلك، فربما كان في الرؤيا تحذير عن معصية فيكف عنها، وربما كانت إنذارا لأمر فيكون له مترقبا.
[وقد] كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجيد تعبير الرؤيا، وكان له مشارك في ذلك منهم، لأن الإكثار من هذا القول لا يصدر إلا ممن تدرب فيه، ووثق بإصابته، كقولك: كان زيد من العلماء بالنحو، ومنه قول صاحبي السجن ليوسف عليه السلام: (نبئنا بتأويله إنا نراك من المحسنين) [يوسف: ٣٦]، أي من المجيدين في عبارة الرؤيا، وعلما ذلك مما رأياه منه، هذا من حديث البيان.
وأما من حيث النحو: فيحتمل أن يكون قوله: (هل رأى أحد منكم رؤيا) مبتدأ، والخبر مقدم عليه على تأويله هذا القول، مما يكثر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقوله.
قوله: (وإنهما ابتعثاني)، معنى ابتعثاني: أرسلاني، يقال: ابتعثه إذا أثاره وأذهبه، وقال ابن هبيرة: معنى ابتعثاني: أيقظاني، ويحتمل أن يكون رأى في المنام أنهما أيقظاه، فرأى ما رأى في المنام، ووصفه بعد أن أفاق على منامه كاليقظة، لكن لما رأى مثالا كشفه التعبير دل على أنه كان مناما.
قوله: (وإني انطلقت معهما)، زاد جرير بن حازم في روايته: (إلى الأرض المقدسة)، وعند أحمد: (إلى أرض فضاء أو مستوية))، وفي حديث علي: (فانطلقا بي إلى السماء).
قوله: (وإنما أتينا على رجل مضطجع)، في رواية جرير: (مستلق على قفاه).
قوله: (وإذا آخر قائم عليه بصخرة)، في رواية جرير: (بفهر أو صخرة)، وفي حديث علي:
(فمررت على تلك وأمامه آدمي، وبيد الملك صخرة يضرب بها هامة الآدمي).
قوله: (يهوى) بفتح أوله وكسر الواو، أي يسقط، يقال: هوى - بالفتح - يهوى هويا، سقط إلى أسفل، وضبطه ابن التين بضم أوله من الرباعي، وقال: أهوى من بعد، وهوى - بفتح الواو - نم قرب.
قوله: (بالصخرة لرأسه فيثلغ) - بفتح أوله وسكون المثلثة اللام بعدها غين معجمة - أي يشدخه، وقد وقع في رواية جرير: (فيشدخ) والشدخ: كسر الشئ الأجوف.
قوله: (فيتدهده الحجر) - بفتح المهملتين بينهما هاء ساكنة - وفي رواية اللشمهيني: (فيتدأدأ) بهمزتين بدل الهائين، وفي رواية النسفي، وكذا هو في رواية جرير بن حازم: (فيتدهدأ) بهاء ثم همزة، وكل بمعنى، والمراد: أنه دفعه من علو إلى أسفل، وتدهده إذا انحط، والهمزة تبدل من الهاء كثيرا، وتدأدأ تدحرج، وهو بمعناه.
قوله: (فيتبع الحجر) أي الذي رمي به (فيأخذه).
قوله: (فلا يرجع إليه) أي إلى الذي شدخ رأسه.
قوله: (حتى يصح رأسه)، وفي رواية جرير: (حتى يلتئم)، وعند أحمد: (عاد رأسه كما كان)، وفي حديث علي: (فيقع دماغه جانبا وتقع الصخرة جانبيا). قال ابن العربي: جعلت العقوبة في رأس هذه النومة على الصلاة.
قوله: (فانطلقنا فأتينا على رجل مستلق لقفاه، وإذا آخر قائم عليه بكلوب من حديد)، وفي كتاب الجنائز ضبطه (كلوب)، ووقع في حديث علي: (فإذا أنا بملك وأمامه آدمي، وبيد الملك كلوب من حديد فيضعه في شدقه الأيمن فيشقه).
قوله: (فيشرشر شدقه إلى قفاه) أي يقطعه شقا، والشدق جانب الفم، وفي رواية جرير: (فيدخله في شقه فيشقه حتى يبلغ قفاه).
قال ابن العربي: شرشرة شدق الكاذب إنزال العقوبة بمحل المعصية، وعلى هذا تجري العقوبة في الآخرة بخلاف الدنيا.
قوله: (وإذا هم يأتيهم لهب من أسفل منهم، فإذا أتاهم ذلك اللهب ضوضوا) بغير همز للأكثر وحكي الهمز، أي رفعوا أصواتهم مختلطة، ومنهم من سهل الهمزة.
قال في (النهاية): الضوضاء أصوات الناس ولغطهم، وكذا الضوضى بلا همز مقصور.
وقال الحميدي: المصدر بغير همز.
قوله: (كريه المرآة) بفتح الميم وسكون الراء وهمزة ممدودة بعدها هاء تأنيث، قال ابن التين: أصله المرأية تحركت الياء، وانفتح ما قبلها فقلبت ألفا، وزنه مفعلة، أي قبيح المنظر.
قوله: (عنده نار يحشها) قال الجوهري: حششت النار أحشاها حشا: أوقدتها. وقال في (التهذيب): حششت الناد بالحطب: ضممت ما تفرق من الحطب إلى النار. وقال ابن العربي:
حش النار: حركها.
قوله: (فأتينا على روضة معتمة، قال الحافظ: الذي يظهر أنه من العتمة وهو شدة الظلام، فوصفها بشدة الخضرة، كقوله تعالى: (مدهامتان) [الرحمن: 64].
قوله: (فانتهينا إلى المدينة مبنية بلين ذهب ولبن فضة) اللبن بفتح اللام وكسر الموحدة جمع
(١٠٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 101 102 103 104 105 106 106 111 112 113 114 ... » »»
الفهرست