إمتاع الأسماع - المقريزي - ج ٨ - الصفحة ١٩٠
وأما الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم ثم إلى السماوات العلى ورؤيته آيات ربه الكبرى فإنه ثابت بكتاب الله العزيز، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الثابتة، المستفيضة عنه بالنقل، من حديث عبد الله بن مسعود، وأبي ذر، وحذيفة، وعبد الله بن عباس، وأبي هريرة، وأبي سعيد الخدري، ومالك بن صعصعة، وأبي بن كعب وأنس بن مالك، وشداد بن أوس، وأبي ليلى الأنصاري، وعبد الرحمن بن قرظ، وأم هاني بنت أبي طالب، رضي الله عنهم، حتى صار في الثبوت مصير التواتر.
قال الله جل وعز سبحانه: ﴿سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير﴾ (1).
إعلم أن التسبيح هو التنزيه، والتنزيه والتبعيد مأخوذ من قولهم: سبح الرجل في الأرض إذا ذهب فيها، ومنه قيل للفرس إذا كان جيد الركض:
سابح، ومنه السبح في الماء، فقولك: سبحت الله، أي نزهته وبرأته مما لا يليق بجلاله، وأصل المعنى والاشتقاق، باعدته مما لا يليق به، أي جعلته بمعزل منها، متباعدا تباعد المنزلة والرتبة (2).

(١) الإسراء: ١.
(2) قال ابن الفرج: سمعت أبا الجهم الجعفري يقول: سبحت في الأرض وسبخت فيها إذا تباعدت فيها، ومنه قوله تعالى: (وكل في فلك يسبحون) أي يجرون، ولم يقل: تسبح، لأنه وصفها بفعل من يعقل.
وكذلك قوله: (والسابحات سبحا) هي النجوم تسبح في الفلك، أي تذهب فيها بسطا، كما يسبح السابح في الماء سبحا، وكذلك السابح في الماء سبحا، وكذلك السابح من الخيل يمد يديه في الجري سبحا.
وقال الأزهري في قوله عز وجل: (والسابحات سبحا فالسابقات سبقا)، قيل: السابحات السفن، والسابقات الخيل.
والتسبيح: التنزيه: وسبحان الله: معناه: تنزيها لله من الصاحبة والولد. وقيل: تنزيه لله تعالى عن كل ما لا ينبغي له أن يوصف.
تقول: سبحت الله تسبيحا أي نزهته تنزيها، وكذلك روي عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قال الزجاج في قوله تعالى: (سبحان الذي أسرى بعبده ليلا) قال: منصوب على المصدر، المعنى: أسبح الله تسبيحا، قال: وسبحان في اللغة تنزيه الله عز وجل عن السوء.
وسبح الرجل: قال سبحان الله، وفي التنزيل: (كل قد علم صلاته وتسبيحه).
وقال قوم: (وإن من شئ إلا يسبح بحمده) أي ما من دابة إلا وفيه دليل على أن الله عز وجل خالقه، وأن خالقه مبرأ من الأسواء، ولكنكم أيها الكفار لا تفقهون أثر الصنعة في هذه المخلوقات.
قال الأزهري: ومما يدلك. على أن تسبيح هذه المخلوقات تسبيح تعبدت به، قول الله عز وجل للجبال: (يا جبال أوبي معه والطير)، ومعنى أوبي: سبحي مع داود النهار كله إلى الليل ولا يجوز أن يكون معنى أمر الله عز وجل للجبال بالتأويب إلا تعبدا لها.
وكذلك قوله تعالى: (ألم تر أن الله يسجد له من في السماوات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والدواب وكثير من الناس)، فسجود هذه المخلوقات عبادة منها لخالقها، لا لا نفقهها عنها، كما لا نفقه تسبيحها.
وكذلك قوله تعالى: (وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء وإن منها لما يهبط من خشية الله) وقد علم الله تعالى هبوطها من خشيته، ولم يعرفنا ذلك، فنحن نؤمن بما أعلمنا، ولا ندعي بما لا نكلف بأفهامنا من علم فعلها كيفية نحدها.
ومن صفات الله عز وجل: السبوح القدوس، قال أبو إسحاق: السبوح: الذي ينزه عن كل سوء، والقدوس: المبارك، وقيل: الطاهر.
وقال ابن سيده: سبوح قدوس، من صفة الله عز وجل، لأنه تعالى يسبح ويقدس، ويقال: سبوح قدس، قال الحياني: المجتمع عليه فيها الضم.
وسبحات وجه الله، بضم السين والباء: أنواره، وجلاله، وعظمته، وقال جبريل عليه السلام: إن لله دون العرش سبعين حجابا، لو دنونا من أحدها لأحرقتنا سبحات وجه ربنا، رواه صاحب (العين).
قال ابن شميل: سبحات وجهه، نور وجهه، وفي حديث آخر: حجابه النور والنار، لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه كل شئ أدركه بصره.
وقال ابن عرفة الملق بنغطويه. في قوله تعالى: (فسبح باسم ربك العظيم): أي سبحه بأسمائه، ونزهه عن التسمية بغير ما سمى به نفسه. قال: ومن سمى الله تعالى بغير ما سمى به نفسه فهو ملحد في أسمائه، وكل من دعاه بأسمائه فمسبح له بها، إذ كانت أسماؤه مدائح له وأوصافا، قال تعالى: (ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها)، وهي صفاته التي وصف بها نفسه، وكل من دعا الله بأسمائه فقد أطاعه ومدحه، ولحقه ثواب. (لسان العرب): 2 / 471 - 474 مختصرا.
(١٩٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 185 186 187 188 189 190 192 193 194 195 196 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 ليس فيما حرم شفاء 3
2 السعوط 4
3 ذات لجنب 6
4 الكحل 9
5 الحبة السوداء 12
6 السنا 14
7 التلبينة والحساء 16
8 اغتسال المريض 19
9 اجتناب المجذوم 24
10 وأما عرق النسا 31
11 وأما كثرة أمراضه صلى الله عليه وسلم 34
12 الحناء 35
13 الذريرة 38
14 وأما أنه صلى الله عليه وسلم سحر 40
15 وأما أنه صلى الله عليه وسلم سم 45
16 وأما أنه صلى الله عليه وسلم رقى 48
17 وأما أنه صلى الله عليه وسلم احتجم 56
18 وأما الكي والسعوط 62
19 وأما الحناء 64
20 وأما السفرجل 64
21 فصل في ذكر حركات رسول الله صلى الله عليه وسلم وسكونه 66
22 وأما عمله صلى الله عليه وسلم في بيته 66
23 وأما ما يقوله إذا دخل بيته صلى الله عليه وسلم 67
24 وأما ما يقوله إذا خرج من بيته صلى الله عليه وسلم 68
25 وأما مشيه صلى الله عليه وسلم 72
26 وأما نومه صلى الله عليه وسلم 80
27 وأما ما يقوله صلى الله عليه وسلم إذا استيقظ 89
28 وأما أن قلبه صلى الله عليه وسلم لا ينام 90
29 وأما مناماته عليه السلام 92
30 فصل في ذكر صديق رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل النبوة 139
31 ذكر أنه صلى الله عليه وسلم كان يحسن العوم في الماء صلى الله عليه وسلم 143
32 ذكر شريك رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل البعث 145
33 فصل في ذكر سفره صلى الله عليه وسلم 150
34 أما يوم سفره صلى الله عليه وسلم 150
35 وأما ما يقوله صلى الله عليه وسلم إذا خرج مسافرا 153
36 وأما ما يقوله صلى الله عليه وسلم إذا علا على شئ 158
37 وأما كيف سيره صلى الله عليه وسلم 161
38 وأما ما يقوله صلى الله عليه وسلم ويعمله إذا نزل منزلا 163
39 وأما ما يقوله صلى الله عليه وسلم في السحر 164
40 ذكر ما يقوله صلى الله عليه وسلم إذا رأى قرية 165
41 ذكر تنفله صلى الله عليه وسلم على الراحلة 166
42 وأما ما يقول إذا رجع من سفره صلى الله عليه وسلم 167
43 وأما ما يصنع إذا قدم من سفر صلى الله عليه وسلم 169
44 وأما كونه لا يطرق أهله ليلا 171
45 فصل في الأماكن التي حلها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهى الرحلة النبوية 174
46 وأما سفره صلى الله عليه وسلم مع عمه 174
47 وأما سفره صلى الله عليه وسلم في تجارة خديجة رضى الله تعالى عنها 186
48 وأما الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم ثم إلى السماوات العلى ورؤيته الآيات ربه الكبرى 190
49 فصل جامع في ذكر حديث الإسراء والمعراج 214
50 فأما رواية حديث الإسراء عن النبي صلى الله عليه وسلم 214
51 فصل جامع في معراج النبي صلى الله عليه وسلم 283
52 فصل في كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم لله عز وجل ليلة الإسراء 302
53 فصل في سفر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطائف 305
54 فصل في ذكر خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عكاظ، ومجنة وذى المجاز 309
55 فصل في ذكر هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة 316
56 فصل في ذكر غزوات رسول الله صلى الله عليه وسلم 330
57 غزوة الأبواء 332
58 غزوة بواط 334
59 غزوة بدر الأولى 336
60 غزوة ذي العشيرة 337
61 غزوة بدر الكبرى 339
62 غزوة بني قينقاع 346
63 غزوة السويق 348
64 غزوة قراره الكدر 350
65 غزوة ذي أمر، وهي غزوة غطفان 352
66 غزوة نجران 354
67 غزوة أحد 355
68 غزوة حمراء الأسد 357
69 غزوة بني النضير 359
70 غزوة بدر الموعد 362
71 غزوة ذات الرقاع 363
72 غزوة دومة الجندل 367
73 غزوة المريسيع 369
74 غزوة الخندق 372
75 غزوة بني قريظة 376
76 غزوة بني لحيان 379
77 غزوة الغابة 380
78 غزوة خيبر 382
79 عزوة الفتح 384
80 غزوة حنين 388
81 غزوة تبوك 391