إمتاع الأسماع - المقريزي - ج ٨ - الصفحة ١٩٢
و الإسراء: سير الليل، يقال: سرى سرى ومسرا، وأسرى إسراءا، وقيل:
أسرى، سار في أول الليل، وسرى، سار في آخره (1).

(1) (أسرى): لغة في سرى، بمعنى سار في الليل، فالهمزة هنا ليست للتعدية، لأن التعدية حاصلة بالباء، بل أسرى فعل مفتتح بالهمزة، مرادف سرى، وهو مثل: أبان المرادف بان، ومثل: انهج الثوب بمعنى نهج زي بلى ف‍ (أسرى بعبده) بمنزلة (ذهب الله بنورهم).
وللمبرد والسهيل نكتة في التفرقة بين التعدية بالهمزة والتعدية بالباء: بأن الثانية أبلغ، لأنها في أصل الوضع تقتضي مشاركة الفاعل المفعول في الفعل، فأصل ذهب به أنه استصحبه. كما قال تعالى: (وسار بأهله).
وقالت العرب: أشبعهم شتما، وراحوا بالإبل، وفي هذا لطيفة تناسب المقام هنا، إذ قال:
(أسرى بعبده) دون سرى بعبده، وهي التلويح إلى أن الله تعالى كان مع رسوله في إسرائه، بعنايته وتوفيقه، كما قال تعالى: (فإنك بأعيننا)، وقال: (إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا).
فالمعنى: الذي جعل عبده مسريا، أي ساريا، وهو كقوله تعالى: (فأسر بأهلك بقطع من الليل).
وإذ قد كان السرى خاصا بسير الليل، كان قوله: (ليلا) إشارة إلى أن السير به إلى المسجد الأقصى كان في جزء ليلة، وإلا لم يكن ذكره إلا تأكيدا على أن الإفادة - كما يقولون - خير من الإعادة.
وفي ذلك إيماء إلى أنه إسراء خارق للعادة، لقطع المسافة التي بين مبدأ السير ونهايته في بعض ليلة، وأيضا ليتوسل بذكر الليل إلى تنكيره، المفيد للتعظيم.
فتنكير (ليلا) للتعظيم بقرينة الاعتناء بذكره، مع علمه من فعل (أسرى)، وبقرينة عدم تعريفه، أي هو ليل عظيم، باعتبار جعله زمنا لذلك السرى العظيم، فقام التنكير هنا مقام ما يدل على التعظيم، ألا ترى كيف احتيج إلى الدلالة على التعظيم بصيغة خاصة في قوله تعالى: (إنا أنزلناه في ليلة القدر * وما أدراك ما ليلة القدر) إذا وقعت ليلة القدر غير منكرة. (تفسير التحرير والتنوير): 15 / 11 - 12.
(١٩٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 186 187 188 189 190 192 193 194 195 196 197 ... » »»
الفهرست