ثم دعاهم، وإنما حمله على دعائمهم، أنه رآهم حين طلعوا وغمامة تظل رسول الله صلى الله عليه وسلم من بين القوم، حتى نزلوا تحت الشجرة، ثم نظر إلى تلك الغمامة أظلت تلك الشجرة، فأخضلت أغصان الشجرة على رسول الله صلى الله عليه وسلم حين استظل تحتها.
فلما رأى بحيرا، نزل من صومعته، وأمر بذلك الطعام، فأتى به وقال:
إني صنعت لكم طعاما يا معشر قريش، وأنا أحب إن تحضروه كلكم، ولا تخلفوا منكم صغيرا ولا كبيرا، حرا ولا عبدا، فإن هذا شئ تكرموني به، فقال رجل: إن لك لشأنا يا بحيرا، ما كنت تصنع بنا هذا، فما شأنك اليوم؟ قال: إني أحببت أن أكرمكم، ولكم حق، فاجتمعوا إليه.
وتخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم من بين القوم لحداثة سنه، ليس في القوم أصغر منه في رحالهم تحت الشجرة، فلما نظر بحيرا إلى القوم، ولم ير الصفة التي يعرف ويجدها عنده، جعل ينظر فلا يرى الغمامة على أحد من القوم، ويراها متخلفة على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: يا معشر قريش! لا يتخلفن أحد منكم عن طعامي، قالوا: ما تخلف أحد إلا غلام هو أحدث القوم سنا في رحالهم، فقال: ادعوه ليحضر طعامي، فما أقبح أن تحضروا ويتخلف رجل واحد، مع أني أراه من أنفسكم، فقال القوم: هو والله أوسطنا نسبا، وهو ابن أخي هذا الرجل - يعنون أبا طالب - وهو من ولد عبد المطلب، فقال الحارث بن المطلب: والله إن كان بنا للؤم أن يتخلف ابن عبد المطلب من بيننا، ثم قام إليه فاحتضنه، وأقبل به حتى أجلسه على الطعام، والغمامة تسير على رأسه.
وجعل بحيرا يلحظه لحظا شديدا، وينظر إلى أشياء في جسده، قد كان [يجدها] عنده في صفته، فلما تفرقوا عن طعامهم، قام إليه الراهب فقال: