يا غلام! أسألك باللات والعزى إلا ما أخبرتني عما أسألك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تسألني باللات والعزى، فوالله ما أبغضت شيئا بعضهما، قال:
فبالله إلا أخبرتني عما أسألك، قال: سلني عما بدا لك، فجعل يسأله عن أشياء من حاله، حتى نومه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخبره، فيوافق ذلك ما عنده، ثم جعل ينظر في عينيه، ثم كشف عن ظهره، فرأى خاتم النبوة بين كتفيه على الصفة التي عنده، فقبل موضع الخاتم.
وقالت قريش: إن لمحمد عند هذا الراهب لقدرا، وجعل أبو طالب لما يرى من الراهب، يخاف على ابن أخيه، فقال الراهب لأبي طالب: ما هذا الغلام منك؟
قال أبو طالب: ابني، قال: ما هو بابنك، وما ينبغي لهذا الغلام أن يكون أبوه حيا، قال: فابن أخي، قال: فما فعل أبوه؟ قال: هلك وأمه حبلى به، قال: فما فعلت أمه؟ قال: توفيت قريبا، قال: صدقت، ارجع بابن أخيك إلى بلده، واحذر عليه اليهود، فوالله إن رأوه، وعرفوا منه ما أعرف ليبغنه سوءا، فإنه كائن لابن أخيك هذا شأن عظيم نجده في كتابنا، وما درينا عن آبائنا، وأعلم أني قد أديت إليك النصيحة.
فلما فرغوا من تجارتهم، خرج به سريعا، وكان رجال من اليهود قد رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعرفوا صفته، فأرادوا أن يغتالوه، فذهبوا إلى بحيرا، فذاكروه أمره، فنهاهم أشد النهي وقال لهم: أتجدون صفته؟ قالوا: نعم، قال: فما لكم إليه سبيل، فصدقوه وتركوه، ورجع به أبو طالب، فما خرج به سفرا بعد ذلك خوفا عليه قال البلاذري [رحمة الله عليه] فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم اثنتي عشرة سنة، عرض لأبي طالب شخوص إلى الشام في تجارة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يألفه، فسأله إخراجه معه، فأبى ذلك ضنا عليه،