وتردد القضاة والعلماء في تحرير قبلته، فاستقر الحال في أمرها على ما قاله الشيخ تقي الدين بن تيمية في يوم الأحد الخامس والعشرين منه، وشرعوا في بنائه بأمر السلطان، ومساعدته لنائبه في ذلك. وفي صفر هذا جاء سيل عظيم بمدينة بعلبك أهلك خلقا كثيرا من الناس، وخرب دورا وعمائر كثيرة، وذلك في يوم الثلاثاء سابع وعشرين صفر.
وملخص ذلك أنه قبل ذلك جاءهم رعد وبرق عظيم معهما برد ومطر، فسالت الأودية، ثم جاءهم بعده سيل هائل خسف من سور البلد من جهة الشمال شرق مقدار أربعين ذراعا، مع أن سمك الحائط خمسة أذرع، وحمل برجا صحيحا ومعه من جانبيه مدينتين، فحمله كما هو حتى مر فحفر في الأرض نحو خمسمائة ذراع سعة ثلاثين ذراعا، وحمل السيل ذلك إلى غربي البلد، لا يمر على شئ إلا أتلفه، ودخل المدينة على حين غفلة من أهلها فأتلف ما يزيد على ثلثها، ودخل الجامع فارتفع فيه على قامة ونصف، ثم قوي على حائطه الغربي فأخر به وأتلف جميع ما فيه الحواصل والكتب والمصاحف وأتلف شيئا كثيرا من رباغ الجامع، وهلك تحت الهدم خلق كثير من الرجال والنساء والأطفال، فإنا لله وإنا إليه راجعون. وغرق في الجامع الشيخ علي بن محمد بن الشيخ علي الحريري هو وجماعة معه من الفقراء، ويقال كان من جملة من هلك في هذه الكائنة من أهل بعلبك مائة وأربعة وأربعون نفسا سوى الغرباء، وجملة الدور التي خربها والحوانيت التي أتلفها نحو من ستمائة دار وحانوت، وجملة البساتين التي جرف أشجارها عشرون بستانا، ومن الطواحين ثمانية سوى الجامع والأمينية وأما الأماكن التي دخلها وأتلف ما فيها ولم تخرب فكثير جدا.
وفي هذه السنة زاد النيل زيادة عظيمة لم يسمع بمثلها من مدد، وغرق بلادا كثيرة، وهلك فيها ناس كثير أيضا، وغرق منية السيرج فهلك للناس فيها شئ كثير، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
وفي مستهل ربيع الآخر منها أغار جيش حلب على مدينة آمد فنهبوا وسبوا وعادوا سالمين.
وفي يوم السبت تاسع وعشرين منه قدم قاضي المالكية إلى الشام من مصر وهو الامام العلامة فخر الدين أبو العباس أحمد بن سلامة بن أحمد بن أحمد بن سلامة الإسكندري المالكي، على قضاء دمشق عوضا عن قاضي القضاة جمال الدين الزواوي لضعفه واشتداد مرضه، فالتقاه القضاة والأعيان، وقرئ تقليده بالجامع ثاني يوم وصوله، وهو مؤرخ بثاني عشر الشهر، وقدم نائبه الفقيه نور الدين السخاوي درس بالجامع في جمادى الأولى، وحضر عنده الأعيان، وشكرت فضائله وعلومه ونزاهته وصرامته وديانته، وبعد ذلك بتسعة أيام توفي الزواوي المعزول، وقد باشر القضاء بدمشق ثلاثين سنة. وفيها أفرج عن الأمير سيف الدين بهادرآص من سجن الكرك وحمل إلى القاهرة وأكرمه السلطان، وكان سجنه بها مطاوعة لإشارة نائب الشام بسبب ما كان وقع بينهما بملطية. وخرج المحمل في يوم الخميس تاسع شوال، وأمير الحج سيف الدين كجكني