قتل - وكان من الفقهاء المفتيين - قتله أدهم بن محرز الباهلي أمير حرب الشاميين ساعتئذ، فأخذ الراية رفاعة بن شداد فانحاز بالناس وقد دخل الظلام، ورجع الشاميون إلى رحالهم، وانشمر رفاعية بمن بقي معه راجعا إلى بلاده، فلما أصبح الشاميون إذا العراقيون قد كروا راجعين إلى بلادهم، فلم يبعثوا وراءهم طلبا ولا أحدا لما لقوا منهم من القتل والجراح، فلما وصلوا إلى هيت إذا سعد بن حذيفة بن اليمان قد أقبل بمن معه من أهل المدائن، قاصدين إلى نصرتهم (1)، فلما أخبروه بما كان من أمرهم وما حل بهم، ونعوا إليه أصحابهم ترحموا عليهم واستغفروا لهم وتباكوا على إخوانهم، وانصرف أهل المدائن إليها، ورجع راجعة أهل الكوفة إليها، وقد قتل منهم خلق كثير وجم غفير، وإذا المختار بن أبي عبيد كما هو في السجن لم يخرج منه (2)، فكتب إلى رفاعة بن شداد يعزيه فيمن قتل منهم ويترحم عليهم ويغبطهم بما نالوا من الشهادة، وجزيل الثواب ويقول: مرحبا بالذين أعظم الله أجورهم ورضي عنهم، والله ما خطا منهم أحد خطوة إلا كان ثواب الله له فيها أعظم من الدنيا وما فيها، وإن سليمان قد قضى ما عليه وتوفاه الله وجعل روحه في أرواح النبيين والشهداء والصالحين، وبعد فأنا الأمير المأمون، قاتل الجبارين والمفسدين إن شاء الله، فأعدوا واستعدوا وأبشروا، وأنا أدعوكم إلى كتاب الله وسنة رسوله، والطلب بدماء أهل البيت. وذكر كلاما كثيرا في هذا المعنى.
وقد كان قبل قدومهم أخبر الناس بهلاكهم عن ربه الذي كان يأتي إليه من الشياطين، فإنه قد كان يأتي إليه شيطان فيوحي إليه قريبا مما كان يوحي شيطان مسيلمة إليه، وكان جيش سليمان بن صرد وأصحابه يسمى بجيش التوابين رحمهم الله، وقد كان سليمان بن صرد الخزرجي صحابيا جليلا نبيلا عابدا زاهدا، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث في الصحيحين وغيرهما، وشهد مع علي صفين، وكان أحد من كان يجتمع الشيعة في داره لبيعة الحسين، وكتب إلى الحسين فيمن كتب بالقدوم إلى العراق، فلما قدمها تخلوا عنه وقتل بكربلاء بعد ذلك، ورأى هؤلاء أنهم كانوا سببا في قدومه، وأنهم خذلوه حتى قتل هو وأهل بيته، فندموا، على ما فعلوا معه، ثم اجتمعوا في هذا الجيش وسموا جيشهم جيش التوابين، وسموا أميرهم سليمان بن صرد أمير التوابين، فقتل سليمان رضي الله عنه في هذه الوقعة بعين وردة سنة خمس وستين، وقيل سنة سبع وستين، والأول أصح. وكان عمره يوم قتل ثلاثا وتسعين سنة رحمه الله. وحمل رأسه ورأس المسيب بن نجبة إلى مروان بن الحكم (3) بعد الوقعة، وكتب أمراء الشاميين إلى مروان بما فتح الله عليهم