أردت، وإنما علينا أن نسمع ونطيع، وعليك أن تنصح للأمة. وقد كان معاوية لما صالح الحسن عهد للحسن بالامر من بعده، فلما مات الحسن قوي أمر يزيد عند معاوية، ورأى أنه لذلك أهلا، وذاك من شدة محبة الوالد لولده، ولما كان يتوسم فيه من النجابة الدنيوية، وسيما أولاد الملوك ومعرفتهم بالحروب وترتيب الملك والقيام بأبهته، وكان ظن أن لا يقوم أحد من أبناء الصحابة في هذا المعنى، ولهذا قال لعبد الله بن عمر فيما خاطبه به: إني خفت أن أذر الرعية من بعدي كالغنم المطيرة ليس لها راع، فقال له ابن عمر: إذا بايعه الناس كلهم بايعته ولو كان عبدا مجدع الأطراف. وقد عاتب معاوية في ولايته يزيد، سعيد بن عثمان بن عفان وطلب منه أن يوليه مكانه، وقال له سعيد فيما قال: إن أبي لم يزل معتنيا بك حتى بلغت ذروة المجد والشرف، وقد قدمت ولدك علي وأنا خير منه أبا وأما ونفسا. فقال له: أما ما ذكرت من إحسان أبيك إلي فإنه أمر لا ينكر، وأما كون أبيك خير من أبيه فحق وأمك قرشية وأمه كلبية فهي خير منها، وأما كونك خيرا منه فوالله لو ملئت إلى الغوطة رجالا مثلك لكان يزيد أحب إلي منكم كلكم. وروينا عن معاوية أنه قال يوما في خطبته: اللهم إن كنت تعلم أني وليته لأنه فيما أراه أهل لذلك فأتمم له ما وليته، وإن كنت وليته لأني أحبه فلا تتمم له ما وليته. وذكر الحافظ ابن عساكر: أن معاوية كان قد سمر ليلة فتكلم أصحابه في المرأة التي يكون ولدها نجيبا، فذكروا صفة المرأة التي يكون ولدها نجيبا: فقال معاوية: وددت لو عرفت بامرأة تكون بهذه المئابة؟ فقال أحد جلسائه: قد وجدت ذلك يا أمير المؤمنين. قال: ومن؟ قال: ابنتي يا أمير المؤمنين. فتزوجها معاوية فولدت له يزيد بن معاوية فجاء نجيبا ذكيا حاذقا. ثم خطب امرأة أخرى فحظيت عنده وولدت له غلاما آخر، وهجر أم يزيد فكانت عنده في جنب داره، فبينما هو في النظارة ومعه امرأته الأخرى، إذ نظر إلى أم يزيد وهي تسرحه، فقالت امرأته: قبحها الله وقبح ما تسرح. فقال: ولم؟ فوالله إن ولدها أنجب من ولدك، وإن أحببت بينت لك ذلك، ثم استدعى ولدها فقال له: إن أمير المؤمنين قد عن له أن يطلق لك ما تتمناه عليه فاطلب مني ما شئت. فقال: أسأل من أمير المؤمنين أن يطلق لي كلابا للصيد وخيلا ورجالا يكونون معي في الصيد. فقال: قد أمرنا لك بذلك، ثم استدعى يزيد فقال له كما قال لأخيه، فقال يزيد: أو يعفيني أمير المؤمنين في هذا الوقت عن هذا؟
فقال: لابد لك أن تسأل حاجتك؟ فقال: أسأل - وأطال الله عمر أمير المؤمنين - أن أكون ولي عهده من بعده، فإنه بلغني أن عدل يوم في الرعية كعبادة خمسمائة عام. فقال: قد أجبتك إلى ذلك، ثم قال لامرأته: كيف رأيت؟ فعلمت وتحققت فضل يزيد على ولدها.
وقد ذكر ابن الجوزي في هذه السنة وفاة أم حرام بنت ملحان الأنصارية امرأة عبادة بن عبادة بن الصامت، والصحيح الذي لم يذكر العلماء غيره أنها توفيت سنة سبع وعشرين، في خلافة عثمان، وكانت هي وزوجها مع معاوية حين دخل قبرص، وقصتها بغلتها فماتت هناك وقبرها بقبرص، والعجب أن ابن الجوزي أورد في ترجمتها حديثها المخرج في الصحيحين في قيلولة