ولا يتمادى في الهلكة، إن من تمادى في الجور كان أبعد عن الطريق " فأنا أول من اتعظ، أستغفر الله مما فعلت وأتوب، فمثلي نزع وتاب، فإذا نزلت فليأتني أشرافكم (1)، فوالله لأكونن كالمرقوق إن ملك صبر، وإن عتق شكر، وما عن الله مذهب إلا إليه. قال: فرق الناس له وبكى من بكى، وقام إليه سعيد بن زيد فقال: يا أمير المؤمنين! الله الله في نفسك! فأتمم على ما قلت.
فلما انصرف عثمان إلى منزله وجد به جماعة من أكابر الناس، وجاءه مروان بن الحكم فقال:
أتكلم يا أمير المؤمنين أم أصمت؟ فقالت امرأة عثمان - نائلة بنت الفرافصة الكلبية - من وراء الحجاب: بل اصمت، فوالله إنهم لقاتلوه، ولقد قال مقالة لا ينبغي النزوع عنها. فقال لها:
وما أنت وذاك! فوالله لقد مات أبوك وما يحسن أن يتوضأ. فقالت له: دع ذكر الاباء، ونالت من أبيه الحكم، فأعرض عنها مروان. وقال لعثمان: يا أمير المؤمنين أتكلم أم أصمت؟ فقال له عثمان: بل تكلم، فقال مروان: بأبي أنت وأمي، لوددت أن مقالتك هذه كانت وأنت ممنع منيع، فكنت أول من رضي بها وأعان عليها، ولكنك قلت ما قلت حين جاوز الحزام الطبيين، وبلغ السيل الزبا، وحين أعطى الخطة الذليلة الذليل، والله لإقامة على خطيئة يستغفر منها، خير من توبة خوف عليها، وإنك لو شئت لعزمت التوبة ولم تقرر لنا بالخطيئة، وقد اجتمع إليك على الباب مثل الجبال من الناس. فقال عثمان: قم فاخرج إليهم فكلمهم، فإني أستحي أن أكلمهم، قال: فخرج مروان إلى الباب والناس يركب بعضهم بعضا، فقال: ما شأنكم كأنكم قد جئتم لنهب، شاهت الوجوه كل إنسان آخذ بإذن صاحبه ألا من أريد (2) جئتم تريدون أن تنزعوا ملكنا من أيدينا، أخرجوا عنا، أما والله لئن رمتمونا ليمرن عليكم أمر يسؤكم ولا تحمدوا غبه، ارجعوا إلى منازلكم، فوالله ما نحن مغلوبين على ما بأيدنا، قال فرجع الناس، وخرج بعضهم حتى أتى عليا فأخبره الخبر، فجاء علي مغضبا حتى دخل على عثمان. فقال: أما رضيت من مروان ولا رضي منك إلا بتحويلك عن دينك وعقلك؟! وإن مثلك مثل جمل الظعينة سار حيث يسار به، والله ما مروان بذي رأي في دينه ولا نفسه، وأيم الله إني لأراه سيوردك ثم لا يصدرك، وما أنا بعائد بعد مقامي هذا لمعاتبتك، أذهبت سوقك (3)، وغلبت على أمرك. فلما خرج علي دخلت نائلة على عثمان فقالت: أتكلم أو أسكت؟ فقال: تكلمي، فقالت: سمعت قول علي أنه ليس يعاودك، وقد أطعت مروان حيث شاء، قال: فما أصنع؟ قالت: تتقي الله وحده لا شريك له، وتتبع سنة صاحبيك من قبلك، فإنك متى أطعت مروان قتلك، ومروان