فأجابهم عثمان إلى ما سألوا إزاحة لعذرهم، وإزالة لشبههم، وقطعا لعللهم.
وذكر سيف بن عمر أن سبب تألب الأحزاب على عثمان أن رجلا يقال له عبد الله بن سبأ كان يهوديا فأظهر الاسلام وصار إلى مصر، فأوحى إلى طائفة من الناس كلاما اخترعه من عند نفسه، مضمونه أنه يقول للرجل: أليس قد ثبت أن عيسى بن مريم سيعود إلى هذه الدنيا؟
فيقول الرجل: نعم! فيقول له فرسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل منه فما تنكر أن يعود إلى هذه الدنيا، وهو أشرف من عيسى بن مريم عليه السلام؟ ثم يقول: وقد كان أوصى إلى علي بن أبي طالب، فمحمد خاتم الأنبياء، وعلي خاتم الأوصياء، ثم يقول: فهو أحق بالامرة من عثمان، وعثمان معتد في ولايته ما ليس له. فأنكروا عليه وأظهروا الامر بالمعروف والنهي عن المنكر. فافتتن به بشر كثير من أهل مصر، وكتبوا إلى جماعات من عوام أهل الكوفة والبصرة، فتمالأوا على ذلك، وتكاتبوا فيه، وتواعدوا أن يجتمعوا في الانكار على عثمان، وأرسلوا إليه من يناظره ويذكر له ما ينقمون عليه من توليته أقرباءه وذوي رحمه وعزله كبار الصحابة. فدخل هذا في قلوب كثير من الناس، فجمع عثمان بن عفان نوابه من الأمصار فاستشارهم فأشاروا عليه بما تقدم ذكرنا له فالله أعلم.
وقال الواقدي فيما رواه عن عبد الله بن محمد عن أبيه قال: لما كانت سنة أربع وثلاثين أكثر الناس بالمقالة على عثمان بن عفان ونالوا منه أقبح ما نيل من أحد، فكلم الناس علي بن أبي طالب أن يدخل على عثمان، فدخل عليه فقال له: إن الناس ورائي وقد كلموني فيك، ووالله ما أدري ما أقول لك، وما أعرف شيئا تجهله، ولا أدلك على أمر لا تعرفه، إنك لتعلم ما نعلم، ما سبقناك إلى شئ فنخبرك عنه، ولا خلونا بشئ فنبلغكه، وما خصصنا بأمور خفي عنك إدراكها، وقد رأيت وسمعت وصحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم ونلت صهره، وما ابن أبي قحافة بأولى بعمل الحق منك، ولا ابن الخطاب بأولى بشئ من الخير منك، وإنك أقرب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رحما، ولقد نلت من صهر رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم ينالا، ولا سبقاك إلى شئ، فالله الله في نفسك، فإنك والله ما تبصر من عمى، ولا تعلم من جهل. وإن الطريق لواضح بين، وإن أعلام الدين لقائمة، تعلم يا عثمان أن أفضل عباد الله عند الله إمام عادل، هدي وهدى، فأقام سنة معلومة، وأمات بدعة معلومة (1)، فوالله إن كلا لبين، وإن السنن لقائمة لها أعلام، وإن البدع لقائمة لها أعلام، وإن شر الناس عند الله إمام جائر ضل وأضل به فأمات سنة معلومة وأحيا بدعة متروكة، وأني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يؤتى يوم القيامة بالامام الجائر وليس معه نصير ولا عاذر، فيلقى في جهنم فيدور فيها كما تدور الرحا ثم يرتطم في غمرة جهنم، وإني أحذرك الله وأحذرك سطوته ونقمته، فإن عذابه أليم شديد، واحذر أن تكون إمام هذه الأمة المقتول، فإنه