واستوطنوها، حتى فتحوا جلولاء وتكريت والموصل، ثم تحولوا إلى الكوفة بعد ذلك كما سنذكره.
ثم أرسل السرايا في إثر كسرى يزدجرد فلحق بهم طائفة فقتلوهم وشردوهم واستلبوا منهم أموالا عظيمة. وأكثر ما استرجعوا من ملابس كسرى وتاجه وحليه. وشرع سعد في تحصيل ما هنالك من الأموال والحواصل والتحف، مما لا يقوم ولا يحد ولا يوصف كثرة وعظمة. وقد روينا أنه كان هناك تماثيل من جص فنظر سعد إلى أحدها وإذا هو يشير بأصبعه إلى مكان، فقال سعد: إن هذا لم يوضع هكذا سدى، فأخذوا ما يسامت أصبعه فوجدوا قبالتها كنزا عظيما من كنوز الأكاسرة الأوائل، فأخرجوا منه أموالا عظيمة جزيلة، وحواصل باهرج، وتحفا فاخرة. واستحوذ المسلمون على ما هنالك أجمع مما لم يرد أحد في الدنيا أعجب منه. وكان في جملة ذلك تاج كسرى وهو مكان بالجواهر النفيسة التي تحير الابصار، ومنطقته كذلك وسيفه وسواره وقباؤه وبساط إيوانه، وكان مربعا ستون ذراعا في مثلها، من كل جانب، والبساط (1) مثله سواء، وهو مسنوج بالذهب واللآلئ والجواهر الثمينة، وفيه مصور جميع ممالك كسرى، بلاده بأنهارها وقلاعها، وأقاليمها، وكنوزها، وصفة الزروع والأشجار التي في بلاده. فكان إذا جلس على كرسي مملكته ودخل تحت تاجه، وتاجه معلق بسلاسل الذهب، لأنه كان لا يستطيع أن يقله على رأسه لثقله، بل كان يجئ فيجلس تحته ثم يدخل رأسه تحت التاج والسلاسل الذهب تحمله عنه، وهو يستره حال لبسه فإذا رفع الحجاب عنه خرت له الامراء سجودا. وعليه المنطقة والسواران والسيف والقباء المرصع بالجواهر فينظر في البلدان واحدة واحدة، فيسأل عنها ومن فيها من النواب، وهل حدث فيها شئ من الاحداث؟ فيخبره بذلك ولاة الأمور بين يديه. ثم ينتقل إلى الأخرى، وهكذا حتى يسأل عن أحوال بلاده في كل وقت لا يهمل أمر المملكة، وقد وضعوا هذا البساط بين يديه تذكارا له بشأن الممالك، وهو إصلاح جيد منهم في أمر السياسة. فلما جاء قدر الله زالت تلك الأيدي عن تلك الممالك والأراضي وتسلمها المسلمون من أيديهم قسرا، وكسروا شوكتهم عنها وأخذوها بأمر الله صافية ضافية، ولله الحمد والمنة. وقد جعل سعد بن أبي وقاص على الاقباض عمرو بن عمرو بن مقرن فكان أول ما حصل ما كان في القصر الأبيض ومنازل كسرى، وسائر دور المدائن، وما كان بالايوان مما ذكرنا، وما يفد من السرايا الذين في صحبة زهرة بن حوية، وكان فيما رد زهرة بغل كان قد أدركه وغصبه من الفرس وكانت تحوطه بالسيوف فاستنقذه منهم وقال إن لهذا لشأنا فرده إلى الاقباض وإذا عليه سفطان فيهما ثياب كسرى وحليه. ولبسه الذي كان يلبسه على السرير كما ذكرنا، وبغل آخر عليه تاجه الذي ذكرنا في سفطين أيضا ردا من الطريق مما استلبه أصحاب السرايا، وكان فيما ردت السرايا أموال عظيمة وفيها أكثر إناث كسرى وأمتعته والأشياء النفيسة التي استصحبوها معهم، فلحقهم المسلمون فاستلبوها منهم. ولم تقدر الفرس على حمل البساط لثقله عليهم، ولا حمل الأموال لكثرتها. فإنه كان المسلمون يجيئون بعض تلك الدور فيجدون البيت