فقلت لها: ما بال هذا الرجل يأتيكي؟ فقالت: إنه يتعاهدني مدة كذا وكذا يأتيني بما يصلحني ويخرج عني الأذى. فقلت لنفسي: ثكلتك أمك يا طلحة، أعثرات عمر تتبع؟.
وقال أسلم مولى عمر: قدم المدينة رفقة من تجار، فنزلوا المصلى فقال عمر لعبد الرحمن بن عوف: هل لك أن تحرسهم الليلة؟ قال: نعم! فباتا يحرسانهم ويصليان، فسمع عمر بكاء صبي فتوجه نحوه فقال لامه: اتق الله تعالي وأحسني إلى صبيك. ثم عاد إلى مكانه، فسمع بكاءه فعاد إلى أمه فقال لها مثل ذلك، ثم عاد إلى مكانه، فلما كان آخر الليل سمع بكاء الصبي فأتى إلى أمه فقال لها: ويحك، إنك أم سوء، ما لي أرى ابنك لا يقر منذ الليلة من البكاء؟!
فقالت: يا عبد الله إني أشغله عن الطعام فيأبى ذلك، قال: ولم؟ قالت: لان عمر لا يفرض إلا للمفطوم. قال: وكم عمر ابنك هذا؟ قالت: كذا وكذا شهرا، فقال: ويحك لا تعجليه عن الفطام. فلما صلى الصبح وهو لا يستبين للناس قراءته من البكاء. قال: بؤسا لعمر. كم قتل من أولاد المسلمين. ثم أمر مناديه فنادى، لا تعجلوا صبيانكم عن الفطام فإنا نفرض لكل مولود في الاسلام. وكتب بذلك إلى الآفاق (1).
وقال أسلم: خرجت ليلة مع عمر إلى ظاهر المدينة فلاح لنا بيت شعر فقصدناه فإذا فيه امرأة تمخض وتبكي، فسألها عمر عن حالها فقالت: أنا امرأة عربية وليس عندي شئ. فبكى عمر وعاد يهرول إلى بيته فقال لامرأته أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب: هل لك في أجر ساقه الله إليك؟ وأخبرها الخبر، فقالت: نعم، فحمل على ظهره دقيقا وشحما، وحملت أم كلثوم ما يصلح للولادة وجاءا، فدخلت أم كلثوم على المرأة، وجلس عمر مع زوجها - وهو لا يعرفه - يتحدث، فوضعت المرأة غلاما فقالت أم كلثوم: يا أمير المؤمنين بشر صاحبك بغلام. فلما سمع الرجل قولها استعظم ذلك وأخذ يعتذر إلى عمر. فقال عمر: لا بأس عليك، ثم أوصلهم بنفقة وما يصلحهم وانصرف.
وقال أسلم: خرجت ليلة مع عمر إلى حرة واقم، حتى إذا كنا بصرار إذا بنار فقال:
يا أسلم ههنا ركب قد قصر بهم الليل، انطلق بنا إليهم، فأتيناهم فإذا امرأة معها صبيان لها وقدر منصوبة على النار وصبيانها يتضاغون، فقال عمر: السلام عليكم يا أصحاب الضوء، قالت:
وعليك السلام. قال: أدنو. قالت: ادن أو دع. فدنا فقال: ما بالكم؟ قالت: قصر بنا الليل والبرد. قال: فما بال هؤلاء الصبية يتضاغون؟ قالت: من الجوع. فقال: وأي شئ على النار؟ قالت: ماء أعللهم به حتى يناموا، الله بيننا وبين عمر. فبكى عمر ورجع يهرول إلى دار الدقيق فأخرج عدلا من دقيق وجراب شحم، وقال: يا أسلم أحمله على ظهري، فقلت: أنا أحمله عنك. فقال: أنت تحمل وزري يوم القيامة؟. فحمله على ظهره وانطلقنا إلى المرأة فألقى