الحاجات. فإن فعل شيئا من ذلك حلت عليه العقوبة. وقيل إنه كان إذا حدثه الرجل بالحديث فيكذب فيه الكلمة والكلمتين فيقول عمر: احبس هذه احبس هذه، فيقول الرجل: والله كلما حدثتك به حق غير ما أمرتني أن أحبسه.
وقال معاوية بن أبي سفيان: أما أبو بكر فلم يرد الدنيا ولم ترده، وأما عمر فأرادته فلم يردها، وأما نحن فتمرغنا فيها ظهرا لبطن. وعوتب عمر فقيل له: لو أكلت طعاما طيبا كان أقوى لك على الحق؟ فقال: إني تركت صاحبي على جادة، فإن أدركت جادتهما فلم أدركهما في المنزل. وكان يلبس وهو خليفة جبة صوف مرقوعة بعضها بأدم ويطوف بالأسواق على عاتقه الدرة يؤدب بها الناس، وإذا مر بالنوى وغيره يلتقطه ويرمي به في منازل الناس ينتفعون به.
وقال أنس: كان بين كتفي عمر أربع رقاع، وإزاره مرقوع بأدم. وخطب على المنبر وعليه إزار فيه اثنتي عشرة (1) رقعة، وأنفق في حجته ستة عشر دينار، وقال لابنه: قد أسرفنا، وكان لا يستظل بشئ غير أنه كان يلقي كساءه على الشجر ويستظل تحته، وليس له خيمة ولا فسطاط. ولما قدم الشام لفتح بيت المقدس كان على جمل أورق تلوح صلعته للشمس، ليس عليه قلنسوة ولا عمامة قد طبق رجليه بين شعبي الرحل بلا ركاب، ووطاؤه كبش من صوف، وهو فراشه إذا نزل، وحقيبته محشوة ليفا، وهي وسادته إذا نام، وعليه قميص من كرابيس قد رسم وتخرق جيبه، فلما نزل قال: ادعوا لي رأس القرية، فدعوه فقال: اغسلوا قميصي وخيطوه وأعيروني قميصا، فأتي بقميص كتان، فقال: ما هذا؟ فقيل كتان. فقال: فما الكتان؟ فأخبروه. فنزع قميصه فغسلوه وخاطوه ثم لبسه، فقال له: أنت ملك العرب، وهذه بلاد لا يصلح فيها ركوب الإبل. فأني ببرذون فطرح عليه قطيفة بلا سرج ولا رحل، فلما سار جعل البرذون يهملج به فقال لمن معه: احبسوا، ما كنت أظن الناس يركبون الشياطين، هاتوا جملي. ثم نزل وركب الجمل.
وعن أنس قال: كنت مع عمر فدخل حائطا لحاجته فسمعته يقول - وبيني وبينه جدار الحائط - عمر بن الخطاب أمير المؤمنين بخ بخ، والله لتتقين الله بني الخطاب أو ليعذبنك. وقيل:
إنه حمل قربة على عاتقه فقيل له في ذلك فقال: إن نفسي أعجبتني فأردت أن أذلها؟ وكان يصلي بالناس العشاء ثم يدخل بيته فلا يزال يصلي إلى الفجر. وما مات حتى سرد الصوم، وكان في عام الرمادة لا يأكل إلا الخبز والزيت حتى اسود جلده ويقول: بئس الوالي أنا إن شبعت والناس جياع. وكان في وجهه خطان أسودان من البكاء. وكان يسمع الآية من القرآن فيغشى عليه فيحمل صريعا إلى منزله فيعاد أياما ليس به مرض إلا الخوف. وقال طلحة بن عبد الله: خرج عمر ليلة في سواد الليل فدخل بيتا فلما أصبحت ذهبت إلى ذلك البيت فإذا عجوز عمياء مقعدة