وقد أقبل منها بغال كثير وحمر تحمل عسلا، فلم يستطع الفيرزان صعودها منهم، وذلك لحينه فترجل وتعلق في الجبل فاتبعه القعقاع حتى قتله، وقال المسلمون يومئذ: إن لله جنودا من عسل، ثم غنموا ذلك العسل وما خالطه من الأحمال وسميت تلك الثنية ثنية العسل. ثم لحق القعقاع بقية المنهزمين منهم إلى همدان وحاصرها وحوى ما حولها، فنزل إليه صاحبها - وهو خسرشنوم - فصالحه عليها. ثم رجع القعقاع إلى حذيفة ومن معه من المسلمين، وقد دخلوا بعد الوقعة نهاوند عنوة، وقد جمعوا الأسلاب والمغانم إلى صاحب الاقباض وهو السائب بن الأقرع. ولما سمع أهل ماه بخبر أهل همدان بعثوا إلى حذيفة وأخذوا لهم منه الأمان، وجاء رجل يقال له الهرند (1) - وهو صاحب نارهم - فسأل من حذيفة الأمان ويدفع إليهم وديعة عنده (2) لكسرى، ادخرها لنوائب الزمان، فأمنه حذيفة وجاء ذلك الرجل بسفطين مملوءتين جوهرا ثمينا لا يقوم، غير أن المسلمين لم يعبأوا به، واتفق رأيهم على بعثه لعمر خاصة، وأرسلوه صحبة الأخماس والسبي صحبة السائب ابن الأقرع، وأرسل قبله بالفتح مع طريف بن سهم، ثم قسم حذيفة بقية الغنيمة في الغانمين، ورضخ ونفل لذوي النجدات، وقسم لمن كان قد أرصد من الجيوش لحفظ ظهور المسلمين من ورائهم، ومن كان ردءا لهم، ومنسوبا إليهم. وأما أمير المؤمنين فإنه كان يدعو الله ليلا ونهارا لهم، دعاء الحوامل المقربات، وابتهال ذوي الضرورات، وقد استبطأ الخبر عنهم فبينا رجل من المسلمين ظاهر المدينة إذا هو براكب فسأله من أين أقبل؟ فقال: من نهاوند. فقال: ما فعل الناس؟ قال: فتح الله عليهم وقتل الأمير، وغنم المسلمون غنيمة أصاب الفارس ستة آلاف، والراجل ألفان. ثم فاته وقدم ذلك الرجل المدينة فأخبر الناس وشاع الخبر حتى بلغ أمير المؤمنين فطلبه فسأله عمن أخبره، فقال راكب. فقال: إنه لم يجئني، وإنما هو رجل من الجن بريدهم واسمه عثيم، ثم قدم طريف بالفتح بعد ذلك بأيام، وليس معه سوى الفتح، فسأله عمن قتل النعمان فلم يكن معه علم حتى قدم الذين معهم الأخماس فأخبروا بالامر على جليته، فإذا ذلك قد الجني شهد الوقعة ورجع سريعا إلى قومه نذيرا. ولما أخبر عمر بمقتل النعمان بكى وسأل السائب عمن قتل من المسلمين فقال: فلان وفلان وفلان، لأعيان الناس وأشرافهم.
ثم قال وآخرون من أفناد الناس ممن لا يعرفهم أمير المؤمنين، فجعل يبكي ويقول: وما ضرهم أن لا يعرفهم أمير المؤمنين؟ لكن الله يعرفهم وقد أكرمهم بالشهادة، وما يصنعون بمعرفة عمر. ثم أمر بقسمة الخمس على عادته، وحملت ذانك السفطان إلى منزل عمر، ورجعت الرسل، فلما أصبح عمر طلبهم فلم يجدهم، فأرسل في إثرهم البرد فما لحقهم البريد إلا بالكوفة.