وإن كنت لسخيا بنفسي عن الدنيا طيب النفس بالموت ولقد هممت بالإقدام علي القوم فنظرت إلى هذين قد ابتدراني يعني الحسن والحسين ونظرت إلى هذين استقدماني يعني عبد الله بن جعفر ومحمد بن علي فعلمت أن هذين إن هلكا انقطع نسل رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذه الأمة وكرهت ذلك وأشفقت علي هذين أن يهلكا وأيم الله لئن لقيتهم بعد يومي هذا لألقينهم وليسوا معي في عسكر ولا دار.
ثم مضي وإذا علي يمينه قبور سبعة أو ثمانية فقال علي ما هذه فقيل يا أمير المؤمنين إن خباب بن الأرت توفي بعد مخرجك وأوصي بأن يدفن في الظهر وكان الناس إنما يدفنون في دورهم وأفنيتهم وكان أول من دفن بظاهر الكوفة ودفن الناس إلى جنبه فقال علي رحم الله خبابا فلقد أسلم راغبا وهاجر طائعا وعاش مجاهدا وابتلي في جسمه أحوالا ولن يضيع الله أجر من أحسن عملا ووقف عليها وقال السلام عليكم أهل الديار الموحشة والمحال المقفرة من المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات أنتم لنا سلف فارط ونحن لكم تبع وبكم عما قليل لاحقون اللهم اغفر لنا ولهم وتجاوز بعفوك عنا وعنهم طوبي لمن ذكر المعاد وعمل للحساب وقنع بالكفاف ورضي عن الله عز وجل! ثم أقبل حتى حاذي سكة الثوريين فسمع البكاء فقال ما هذه الأصوات؟ فقيل البكاء علي قتلي صفين فقال أما أني أشهد لمن قتل منهم صابرا محتبسا بالشهادة. ثم مر بالفائشيين فسمع مثل ذلك ثم مر بالشباميين فسمع رجة شديدة فوقف فخرج إليه حرب بن شرحبيل الشبامي فقال له علي أيغلبكم نساؤكم ألا تنهونهن عن هذا الرنين. قال يا أمير