فإنها أيسرهما لقربها من النهار، ولا تخف من عقوبة المستحق، ولا تلجن فيها، ولا تسرع إليها ولا تخذلها مدفعا، ولا تغفل عن أهل عسكرك. فتفسده، ولا تجسس عليهم فتفضحهم ولا تكشف الناس عن أسرارهم، واكتف بعلانيتهم، ولا تجالس العباثين وجالس أهل الصدق، والوفاء، وأصدق اللقاء ولا تجبن فيجبن الناس، واجتنب الغلول فإنه يقرب الفقر، ويدفع النصر. وستجدون أقواما حبسوا أنفسهم في الصوامع. فدعهم وما حبسوا أنفسهم له.
وهذه من أحسن الوصايا وأكثرها نفعا لولاة الأمر. ثم إن أبا بكر استعمل أبا عبيدة بن الجراح على من اجتمع وأمره بحمص، وسار أبو عبيدة على باب من البلقاء. فقاتله أهله ثم صالحوه فكان أول صلح في الشام.
واجتمع للروم جمع بالعربة من أرض فلسطين فوجه إليهم يزيد بن أبي سفيان أبا أمامة الباهلي فهزمهم، فكان أول قتال بالشام بعد سرية أسامة بن زيد. ثم أتوا الداثن فهزمهم أبو أمامة أيضا، ثم مرج الصفر استشهد فيها ابن لخالد بن سعيد، وقيل: استشهد فيها خالد أيضا، وقيل: بل سلم وانهزم على ما نذكره، وذلك أنه لما سمع توجيه الأمراء بالجنود بادر لقتال الروم فاستطرد له باهان فاتبعه خالد ومعه ذو الكلاع، وعكرمة، والوليد فنزل مرج الصفر فاجتمعت عليه مسالح باهان، وأخذوا الطرق، وخرج باهان فرأي ابن خالد بن سعيد فقتله، ومن معه فسمع خالد فانهزم فوصل في هزيمته إلى ذي المروة قريب المدينة. فأمره أبو بكر بالمقام بها، وبقي عكرمة في الناس ردءا للمسلمين يمنع من يطلبهم.
وكان قد قدم شرحبيل بن حسنة من عند خالد بن الوليد إلى أبي بكر