الحبشة فمن جهة شرقها، وأما بحر الإسكندرية وهو بحر الروم فمن جهة شمالها، فيحمى جوها فلا يغلظ البخار السائل إليه ولا يجتمع حتى يخالط بحر الإسكندرية ويمتزج به، ويجوزان معا جهة الشمال من بلاد أروفى، وإذا صارا إلى الموضع الذي يعرض لهما فيه الانحصار ببرد الجو وما يحيط به من الجبال سالت تلك الأبخرة هناك، فصارت أمطارا في تلك المواضع الشمالية، فلهذه العلة عدم أهل مصر المطر.
ولأن النيل بزيادته يفيض على بلاد مصر، فإذا نقص تراد إلى قعره فقبلت تلك الأرض حسيا كثيرا، لكثرة إقامة الماء عليها، فيكثر ما يرتفع من أرضها في كل يوم من البخار بحر الشمس، فإذا جاء الليل يبرد حرها بالإضافة إلى قدر ما كان عليه عند شروق الشمس، فاستحال البخار ماء، فسال بالليل سيلانا ضعيفا لعدمه التكاثف والانحصار، فصار طلا عائدا إلى الأرض، ولعلل غير ذلك ذكروها ويجوز؟ ن يكون ذلك لعلل استأثر الله عز وجل بعلمها، ولم يظهر أحدا من خلقه عليها،؟ ا هو عز وجل أعلم به من عمارة البلاد، وصلاح العباد قال أبو الحسن على بن الحسين المسعودي: ولما ذكرنا شرح طويل والكلام فيه كثير، ومن ضمن الاختصار، لم يجز له الاكثار.
وإنما نذكر في هذا الكتاب طرفا من كل باب ليستدل الناظر فيه بما رسمناه على المراد مما تركنا، قانعين بالتعريض والإشارة من التطويل في العبارة فإذ ذكرنا جامع التأريخ من آدم إلى نبينا صلى الله عليه وسلم، وسني الأمم وشهورها، ونسيئها وكبائسها، وما اتصل بذلك فلنذكر الآن التأريخ من مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مبعثه وهجرته ووفاته، ومن كان بعده من الخلفاء والملوك إلى هذا الوقت.