وبالغ شاور في العسف والمصادرة، وتمنوا أن يلي شيركوه عليهم، فسار إليهم ثانيا من الشام، فاستصرخ شاور - لا سلمه الله - بملك الفرنج مري، فبادر في جمع عظيم، فعبر شيركوه إلى ناحية الصعيد، ثم نزل بأرض الجيزة، ونزلت الفرنج بإزائه في الفسطاط، وقرر شاور للفرنج أربع مئة ألف دينار وإقامات، ثم ترحل شيركوه إلى نحو الصعيد، فتبعه شاور والفرنج، ونهب للفرنج أشياء كثيرة، ورجعوا مغلولين، فنزلوا بالجيزة، فرد شيركوه، وقدم الإسكندرية، وتبعته الفرنج، ففتح أهل الثغر لشيركوه، وفرحوا به، فاستخلف بها ابن أخيه صلاح الدين، وكر إلى الفيوم، ونهب جنده القرى، وظلموا، وذهب هو فصادر أهل الصعيد، وبالغ، وحاصر شاور والروم الإسكندرية وبها صلاح الدين، واشتد القتال، ثم قدم شيركوه مصر، وترددت الرسل في الصلح، ورجعت الروم إلى بلادهم، ثم أقبل الطاغية مري في جيوشه، وغدر، وخندق شاور على مصر، وعظم الخطب، واستباحت الروم بلبيس قتلا وسبيا، وهرب المصريون على الصعب والذلول، وأحرقت دور مصر، وتهتكت الأستار، وعم الدمار، ودام البلاء أشهرا يحاصرهم الطاغية، فطلبوا المهادنة، فاشترط الكلب شروطا لا تطاق، فأجمع رأي العاضد وأهل القصر على الاستصراخ بنور الدين، فكر شيركوه في جيشه، فتقهقر العدو إلى الساحل وفي أيديهم اثنا عشر ألف أسير، وقدم شيركوه، فما وسع شاور إلا الخروج إليه متنصلا معتذرا، فصفح عنه، وقبل عذره، وبرزت الخلع لشيركوه وشاور وفي النفوس ما فيها، وتحرز هذا من هذا، إلى أن وقع لشاور أن يعمل دعوة لشيركوه، وركب إليه، فأحس شيركوه بالمكيدة، فعبى جنده، وأخذ شاور أسيرا، وانهزم عسكره، ثم قتل، وأسر أولاده وأعوانه، وعذبوا، ثم ضربت أعناقهم، وتمكن شيركوه ثمانية وخمسين يوما، ثم مات بالخوانيق، وقيل:
(٥١٦)