سنجقا (1)، وصاحوا: نور الدين يا منصور. وفتر القتال، وبادر قطاع خشب بفأسه، فكسر قفل باب شرقي، ودخل نور الدين، وفرحت به الرعية، فتحصن الملك مجير الدين بالقلعة طالبا للأمان، ثم نزل، فطيب نور الدين قلبه، وخرج بأمواله إلى الدار الأتابكية، ثم ذهب إلى حمص، وكتب له بها منشور.
وأقبلت الغز التركمان، فنهبوا نيسابور، وعذبوا وقتلوا بها ألوفا، وخدموا السلطان سنجر، وأخذوه معهم، فصار في حال زرية بعد العز والملك، يركب أكدشا، وربما جاع.
وفيها يوم الجمعة ثاني شوال وقعت صاعقة عظيمة في التاج الذي بدار الخلافة، فتأججت فيه وفي القبة والدار، فبقيت النار تعمل فيه تسعة أيام، حتى أطفئت بعد أن صيرته كالحممة، وكانت آية هائلة وكائنة مدهشة، وكان هذا التاج من محاسن الدنيا، أنشأه المكتفي في دولته، وكان شاهقا بديع البناء، ثم رم شعثه وطري.
وفي سنة خمسين وخمس مئة سار المقتفي إلى الكوفة، واجتاز بسوقها، وقتل في العام الماضي الظافر بمصر، وقدم طلائع بن زريك من الصعيد للاخذ بثأر الظافر من قاتله عباس، ففر عباس نحو الشام بأمواله، فأخذته فرنج عسقلان، فقتلوه، وباعوا ابنه نصرا للمصريين، واضطرب أمر مصر، وعزمت الفرنج على أخذها، وأرست مراكب جاءت من صقلية على تنيس، فهجموها، وقتلوا، وسبوا، وافتتح نور الدين قلاعا للفرنج وبعض بلاد الروم بالأمان، واتسع ملكه، فبعث إليه المقتفي تقليدا، ولقبه بالملك العادل، وأمره بقصد مصر.