وفي سنة 46 عاود نور الدين محاصرة دمشق، وراسلهم نور الدين:
إني أوثر إصلاح الرعية وجهاد الفرنج، فإن أعانني عسكركم على الغزو، فهو المراد. فنفروا، وامتنعوا، وخربت الغوطة، وعاث العسكر، وتحركت الفرنج إنجادا لملك دمشق، فضاقت صدور الأخيار، وجرح خلق، ثم تحول نور الدين إلى البقاع لما جاءت جيوش الفرنج نجدة، فطلبوا من دمشق مال القطيعة المبذولة لهم على ترحيل نور الدين، ثم عاد نور الدين إلى داريا، وبرز عسكر البلد، ووقعت المناوشة، وتصالحوا، ثم سار ملك دمشق مجير الدين إلى خدمة نور الدين إلى حلب، فأكرمه، وبقي كنائب لنور الدين بدمشق، وافتتح نور الدين أنطرطوس (1) وتل باشر وعدة معاقل للفرنج، ونازلت أربعون ألفا من الفرنج قرطبة ثلاثة أشهر، حتى كادوا أن يأخذوها، فكشف عنها جيش عبد المؤمن، وكانوا اثني عشر ألفا، وقدم السلطان مسعود بغداد.
وفي سنة 47 مات مسعود، وقام بعده أخوه محمد، وعظم شأن المقتفي، وسار إلى واسط، فمهدها، وعطف إلى الكوفة، ثم عاد مؤيدا منصورا، فعملت له قباب الزينة.
وفي سنة 48 أخذت الفرنج عسقلان، واشتد الغلاء بدمشق، ومات الفقراء، فطمع نور الدين في أخذها، ففي أول سنة تسع قدم شيركوه رسولا، فنزل في ألف فارس، فلم يخرجوا لتلقيه، وقويت الوحشة، وأقبل نور الدين، فنزل ببيت الأبار، وزحف على البلد مرتين، وأقبل عسكره إلى باب كيسان، فإذا ليس على السور كبير أحد، فتقدم راجل، فرأته يهودية، فدلت له حبلا، فصار على السور، وتبعه جماعة، فنصبوا