القطن، ويكتسي منه، ولا يأكل من مال أحد شيئا، وكانت له أوقات لا يرى فيها محافظة على أوراده، وقد طفت معه أياما في سواد الموصل، فكان يصلي معنا العشاء، ثم لا نراه إلى الصبح، ورأيته إذا أقبل إلى قرية يتلقاه أهلها من قبل أن يسمعوا كلامه تائبين رجالهم ونساؤهم إلا من شاء الله منهم، ولقد أتينا معه على دير رهبان، فتلقانا منهم راهبان، فكشفا رأسيهما، وقبلا رجليه، وقالا: ادع لنا فما نحن إلا في بركاتك، وأخرجا طبقا فيه خبز وعسل، فأكل الجماعة. وخرجت إلى زيارة الشيخ أول مرة، فأخذ يحادثنا، ويسأل الجماعة، ويوانسهم، وقال: رأيت البارحة في النوم كأننا في الجنة ونحن ينزل علينا شئ كالبرد. ثم قال: الرحمة، فنظرت إلى فوق رأسي، فرأيت ناسا، فقلت: من هؤلاء؟ فقيل: أهل السنة والصيت للحنابلة، وسمعت شخصا يقول له: يا شيخ، لا بأس بمداراة الفاسق.
فقال: لا يا أخي، دين مكتوم دين ميشوم. وكان يواصل الأيام الكثيرة على ما اشتهر عنه، حتى إن بعض الناس كان يعتقد أنه لا يأكل شيئا قط، فلما بلغه ذلك أخذ شيئا، وأكله بحضرة الناس، واشتهر عنه من الرياضات والسير والكرامات والانتفاع به ما لو كان في الزمان القديم لكان أحدوثة، ورأيته قد جاء إلى الموصل في السنة التي مات فيها، فنزل في مشهد خارج الموصل، فخرج إليه السلطان وأصحاب الولايات والمشايخ والعوام حتى آذوه مما يقبلون يده، فأجلس في موضع بينه وبين الناس شباك بحيث لا يصل إليه أحد إلا رؤية، فكانوا يسلمون عليه، وينصرفون، ثم رجع إلى زاويته.
وقال ابن خلكان (1): أصله من بيت فار من بلاد بعلبك، وتوجه إلى