فخطب الفضل بن يحيى الطويل إليه بنته، فزوجه، ثم طلب منه أمها لتؤنسها، ففعل، فما أجمل تلطف هذا المرء في بر أبي العباس (1).
قال السلفي: كان ابن الحطيئة رأسا في القراءات، وقرأت بخط أبي الطاهر بن الأنماطي قال: سمعت شيخنا شجاعا المدلجي وكان من خيار عباد الله يقول: كان شيخنا ابن الحطيئة شديدا في دين الله، فظا غليظا على أعداء الله، لقد كان يحضر مجلسه داعي الدعاة (2) مع عظم سلطانه ونفوذ أمره، فما يحتشمه، ولا يكرمه، ويقول: أحمق الناس في مسألة كذا وكذا الروافض، خالفوا الكتاب والسنة، وكفروا بالله، وكنت عنده يوما في مسجده بشرف مصر وقد حضره بعض وزراء المصريين أظنه ابن عباس، فاستسقى في مجلسه، فأتاه بعض غلمانه بإناء فضة، فلما رآه ابن الحطيئة وضع يده على فؤاده، وصرخ صرخة ملأت المسجد، وقال: وا حرها على كبدي، أتشرب في مجلس يقرأ فيه حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في آنية الفضة؟!
لا والله لا تفعل، وطرد الغلام، فخرج، وطلب الشيخ كوزا، فجئ بكوز قد تثلم، فشرب، واستحيى من الشيخ، فرأيته والله كما قال الله:
(يتجرعه ولا يكاد يسيغه) [إبراهيم: 17].
قال: وأتى رجل إلى شيخنا ابن الحطيئة بمئزر، وحلف بالطلاق ثلاثا لا بد أن يقبله، فوبخه على ذلك، وقال: علقه على ذاك الوتد. فلم يزل على الوتد حتى أكله العث، وتساقط، وكان ينسخ بالاجرة، وكان له على