الاعتراض الخامس والعشرون - سؤال القول بالموجب وحاصله يرجع إلى تسليم ما اتخذه المستدل حكما لدليله على وجه لا يلزم منه تسليم الحكم المتنازع فيه.
ومهما توجه على هذا الوجه، كان المستدل منقطعا، لتبين أن ما نصه من الدليل لم يكن متعلقا بمحل النزاع، وهو منحصر في قسمين. وذلك لان المستدل إما أن ينصب دليل على تحقيق مذهبه، وما نقل عن إمامه من الحكم، أو على إبطال ما يظنه مدركا لمذهب خصمه.
فإن كان الأول، فهو كما لو قال الشافعي في الملتجئ إلى الحرم وجد سبب جواز استيفاء القصاص، فكان استيفاؤه جائزا. فقال الخصم: أقول بموجب هذا الدليل، فإن استيفاء القصاص عندي جائز. وإنما النزاع في جواز هتك حرمة الحرم.
وإن كان الثاني، فهو كما لو قال الشافعي في مسألة استيلاد الأب جارية ابنه:
وجوب القيمة لا يمنع من إيجاب المهر كاستيلاد أحد الشريكين، أو قال في مسألة القتل بالمثقل: التفاوت في الوسيلة لا يمنع وجوب القصاص، كالتفاوت في المتوسل إليه.
فقال الخصم: أقول بموجب هذا الدليل، وأن وجوب القيمة لا يمنع من وجوب المهر، والتفاوت في الوسيلة لا يمنع من التفاوت في المتوسل إليه. والنزاع إنما هو في وجوب المهر ووجوب القصاص، ولا يلزم من إبطال ما ذكر من الموانع إثبات وجوب المهر والقصاص، لجواز انتفاء المقتضي لذلك أو وجود مانع آخر، أو فوات شرط.
وورود هذا النوع من القول بالموجب أغلب في المناظرات من ورود النوع الأول، من جهة أن خفاء المدارك أغلب من خفاء الاحكام، لكثرة المدارك وتشعبها وعدم الوقوف على ما هو معتمد الخصم من جملتها، بخلاف الاحكام، فإنه قلما يتفق الذهول عنها.
ولهذا قد يشترك في معرفة الحكم المنقول عن الامام الخواص والعوام، دون معرفة المدارك، فكان احتمال الخطأ في اعتقاد كون المدرك المعين هو مدرك الامام أقرب من احتمال الخطأ فيما ينسب إلى الامام من الحكم المدلول عليه.