وهذا النوع من القلب، وإن دل على مذهب المعترض، فهو شبيه بفساد الوضع، من حيث إنه لا يدل على مذهب المستدل.
وإن سلم أن ما ذكره المستدل يدل له من وجه فهذا النوع من القلب ثلاثة أقسام، وذلك لان المعترض إما أن يتعرض في القلب لتصحيح مذهبه، أو لابطال مذهب المستدل: وإن تعرض لابطال مذهب المستدل، فإما أن يتعرض له صريحا بأن يجعله حكما للدليل بلا واسطة، أو لا بصريحه، بل بطريق الالتزام، بأن يرتب على الدليل حكما يلزم منه إبطال مذهب المستدل.
فإن كان من القسم الأول، فهو كما لو قال الحنفي مثلا في مسألة الاعتكاف:
لبث محض، فلا يكون قربة بنفسه، كالوقوف بعرفة، فقال المعترض: لبث محض، فلا يشترط الصوم في صحته، كالوقوف بعرفة، فكل واحد منهما قد تعرض في دليله لتصحيح مذهبه، غير أن المستدل أشار بعلته إلى اشتراط الصوم بطريق الالتزام، والمعترض أشار إلى نفي اشتراطه صريحا.
وعند التحقيق، فتعليل المستدل في هذا المثال لنفي القربة ليس تعليلا بمناسب يقتضي نفي القربة، بل بانتفاء المناسب من حيث إن اللبث المحض لا يناسب ولا يشم منه رائحة المناسبة للقرابة. وتعليل المعترض بأمر طردي، فإنه لا مناسبة في اللبث المحض لنفي اشتراط الصوم.
وقد يتفق أن يكون المستدل قد تعرض لتصحيح مذهبه صريحا، والمعترض كذلك، كما لو قال الشافعي في إزالة النجاسة: طهارة تراد لأجل الصلاة، فلا تجوز بغير الماء كطهارة الحدث، فقال المعترض: طهارة تراد لأجل الصلاة فتصبح بغير الماء كطهارة الحدث، فكل واحد منهما متعرض في الدليل لتصحيح مذهبه صريحا، والعلة في الطرفين شبهية.
وإن كان من القسم الثاني، وهو أن يتعرض المعترض في القلب لابطال مذهب المستدل صريحا ، فمثاله ما لو قال الحنفي في مسألة مسح الرأس: عضو من أعضاء الوضوء. فلا يكتفي فيه بأقل ما ينطلق عليه الاسم كسائر الأعضاء.