الاحكام - ابن حزم - ج ٢ - الصفحة ٢١٧
والورق والطعام إلى أجل مسمى؟ قال: لا أرى بذلك بأسا. فقلت له: إن الحسن يكرهه، قال: لولا أنكم تزعمون أن الحسن يكرهه ما رأيت به بأسا، فأما إذا كرهه الحسن فهو أعلم به، فهذا عمر بن عبد العزيز لم يبال بعمل أهل الحجاز إذ وجد القرآن بخلاف، وهذا نافع مولى ابن عمر - من كبار فقهاء أهل المدينة - توقف في فتياه إذ خالفه الحسن وهو عراقي.
ثم نسألهم فنقول لهم: عمل من تريدون؟ أعمل أمة محمد صلى الله عليه وسلم كلهم، أم عمل عصر دون عصر؟ أم عمل محمد صلى الله عليه وسلم؟ أم عمل أبي بكر؟ أم عمل عمر؟ أم عمل عثمان؟ ولم يكن في المدينة إمام غير هؤلاء - أم عمل صاحب من سكان المدينة بعينه؟
أم عمل جميع فقهاء المدينة؟ أم عمل بعضهم؟ ولا سبيل إلى وجه غير ما ذكرنا.
فإن قالوا: عمل أمة محمد صلى الله عليه وسلم كلها بان كذبهم، لان الخلاف بين الأمة أشهر من ذلك، وهم دأبا إنما يتكلمون على من يخالفهم، فإن كانت الأمة مجمعة على قولهم فمع من يتكلمون إذا، وإن قالوا عصرا ما دون سائر الأعصار، بان كذبهم أيضا إذ كل عصر فالاختلاف بين فقهائه موجود منقول مشهور، ولا سبيل إلى وجود مسألة اتفق عليها أهل عصر ما، ولم يكن تقدم فيها خلاف قبلهم، ثم اختلف فيها الناس. هذا ما لا يوجد أبدا.
فإن قالوا: عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم أريناهم أنهم أترك الناس لعمله عليه السلام، بل لآخر عمله، فإنهم رووا: أن آخر عمله كان الافطار في رمضان في السفر، والنهي عن صيامه، فقالوا هم: الصوم أفضل، وكان آخر عمله عليه السلام الصلاة بالناس جالسا وهم أصحاء، وراءه، إما جلوس على قولنا، وإما قيام على قول غيرنا. فقالوا هم: صلاة من صلى كذلك باطل، ورووا في الموطأ أنه صلى الله عليه وسلم: كان إذا اغتسل من الجنابة أفاض الماء على جسده، فقالوا هم: طهور من تطهر كذلك باطل حتى يتدلك. ورووا أنه صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه في الصلاة إذا ركع وإذا رفع، فقالوا: ليس عليه العمل، ورووا أنه صلى الله عليه وسلم صلى فقرأ بالطور في المغرب، وبالمرسلات، وكان ذلك في آخر عمره صلى الله عليه وسلم فقالوا:
ليس عليه العمل، ورووا أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا أم الناس فأتم أم القرآن قال آمين
(٢١٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 212 213 214 215 216 217 218 219 220 221 222 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 فصل في الكلام على الخبر المرسل 135
2 فصل في أقسام السنن وأنها ثلاثة 138
3 فصل في خلاف الصاحب للرواية وتعلل أهل الباطل لذلك 143
4 فصل فيما ادعاه قوم من تعارض النصوص 151
5 فصل في تمام الكلام في تعارض النصوص 166
6 فصل فيمن قال لا يجوز تخصيص القرآن بالخبر والرد عليه 189
7 فصل وقد يرد خبر مرسل إلا أن الإجماع صح بما فيه متيقنا 192
8 فصل وقد أجاز بعض أصحابنا أن يرد حديث صحيح ويكون الإجماع على خلافه 193
9 فصل وإذا قال الصحابي السنة كذا وأمرنا بكذا فليس هذا اسنادا 194
10 فصل وقد ذكر قوم أحاديث في بعضها إبطال شرائع الإسلام وفي بعضها نسبة الكذب إلى رسول الله (ص) 197
11 فصل وليس كل من أدرك النبي (ص) ورآه صحابيا 203
12 فصل وحكم الخبر أن يورد بنص لفظه لا يبدل ولا يغير 205
13 فصل وإذا روى العدل زيادة على ما روى الغير فالأخذ بتلك الزيادة فرض 208
14 فصل في إبطال ترجيح الحديث بعمل أهل المدينة وإبطال الاحتجاج بعملهم أيضا 214
15 فصل فيه بيان سبب الاختلاف الواقع بين الأئمة في صدر هذه الأمة 237
16 فصل في فضل الاكثار من الرواية للسنن والرد على من ذم الاكثار من رواية الحديث 245
17 فصل في صفة الرواية 255
18 فصل وقد تعلل قوم في أحاديث صحاح بأن قالوا هذا حديث أسنده فلان وأرسله فلان 258