الاحكام - ابن حزم - ج ٢ - الصفحة ٢١٢
قال علي: فيقال له وبالله تعالى التوفيق: هذا يشبه تمويه اليهود، إذ يقولون قد وافقناكم على قبول نبوة موسى صلى الله عليه وسلم، ووجوب شريعته، وترك العمل في السبت، وأن ذلك كله قد أمر به الله تعالى، وخالفناكم في قبول نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، ووجوب شريعته.
قال علي: وهذا احتجاج من لا حجة له، وتمويه ضعيف، وذلك أننا لم نقبل نبوة موسى صلى الله عليه وسلم لأجل موافقتهم لنا عليهم، ولا نبالي وافقونا عليها أم خالفونا، كما لم نبال بتكذيب المجوس والمنانية والصابئين لنبوة موسى عليه السلام وإنما أخذنا بقبول نبوته عليه السلام لقيام البراهين على صحتها، وبمثل تلك البراهين نفسها وجب قبول نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ولا فرق، والحق إذا ثبت برهانه فلا معنى لقبول من قبله، ولا يزيده ذلك صحة، ولا معنى لمخالفة من خالفه، ولا يضره ذلك شيئا ونفسه ضر المخالف ولم يضر الحق. وكذلك الشئ إذا لم يقم على صحته برهان، فلا معنى لقبول من قبله ولا يصححه ذلك، وكذلك قبول خبر الواحد لم نأخذ به، لان الحنفيين والمالكيين وافقونا على قبوله، وما نبالي وافقونا أم خالفونا، كما لم نبال بخلافهم لنا في القياس والتقليد، وكما لم نبال بخلاف من خالفنا - من المعتزلة وغيرهم - في قبول خبر الواحد، وإنما أخذنا بقبول خبر الواحد لقيام البرهان على وجوب القول به.
وبتلك الدلائل والبراهين بأعيانها، وجب اطراح العلل التي راموا بها إبطال الاخذ بالزيادة، وبما أرسله عدل وأسنده عدل، وما خولف فيه راويه، وبذلك البرهان نفسه وجب قبول الزيادة - وإن انفرد بها العدل - وتصحيح ما أسنده العدل - وإن أرسله غيره، وسواء كان أعدل منه أو أحفظ أو مثله أو دونه، وصح أن ما خالف هذا الحكم هذيان لا معنى له، وإنما يلزم الاحتجاج بما موهوا به غير موضعه، ففي حكم لم نراع فيه غير الاجماع المتيقن به إذا ثبت، وفيما لولا الاجماع المذكور لم نقل به، مما قد أمرنا باتباع الاجماع المتيقن المقطوع به فيه مما لم يأت فيه نص محفوظ اللفظ، وإن كان أصل ذلك الاجماع لا يمكن البتة أن يكون إلا عن نص، وذلك مثل المسائل التي وجدنا فيها خلافا من واحد فما فوقه لم نقل بها ولا برهان
(٢١٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 207 208 209 210 211 212 213 214 215 216 217 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 فصل في الكلام على الخبر المرسل 135
2 فصل في أقسام السنن وأنها ثلاثة 138
3 فصل في خلاف الصاحب للرواية وتعلل أهل الباطل لذلك 143
4 فصل فيما ادعاه قوم من تعارض النصوص 151
5 فصل في تمام الكلام في تعارض النصوص 166
6 فصل فيمن قال لا يجوز تخصيص القرآن بالخبر والرد عليه 189
7 فصل وقد يرد خبر مرسل إلا أن الإجماع صح بما فيه متيقنا 192
8 فصل وقد أجاز بعض أصحابنا أن يرد حديث صحيح ويكون الإجماع على خلافه 193
9 فصل وإذا قال الصحابي السنة كذا وأمرنا بكذا فليس هذا اسنادا 194
10 فصل وقد ذكر قوم أحاديث في بعضها إبطال شرائع الإسلام وفي بعضها نسبة الكذب إلى رسول الله (ص) 197
11 فصل وليس كل من أدرك النبي (ص) ورآه صحابيا 203
12 فصل وحكم الخبر أن يورد بنص لفظه لا يبدل ولا يغير 205
13 فصل وإذا روى العدل زيادة على ما روى الغير فالأخذ بتلك الزيادة فرض 208
14 فصل في إبطال ترجيح الحديث بعمل أهل المدينة وإبطال الاحتجاج بعملهم أيضا 214
15 فصل فيه بيان سبب الاختلاف الواقع بين الأئمة في صدر هذه الأمة 237
16 فصل في فضل الاكثار من الرواية للسنن والرد على من ذم الاكثار من رواية الحديث 245
17 فصل في صفة الرواية 255
18 فصل وقد تعلل قوم في أحاديث صحاح بأن قالوا هذا حديث أسنده فلان وأرسله فلان 258