قال أبو محمد: فموسى صلى الله عليه وسلم وضع الملامة في غير موضعها، فصار محجوجا، وذلك لأنه لام آدم صلى الله عليه وسلم على أمر لم يفعله، وهو خروج الناس من الجنة، وإنما هو فعل الله عز وجل، ولو أن موسى لام آدم على خطيئته الموجبة لذلك لكان واضعا للملامة موضعها، ولكان آدم محجوجا وليس أحد ملوما إلا على ما يفعله لا على ما تولد من فعله، ولا مما فعله غيره.
والكافر إنما يلام على الفعل، لا على دخول النار، والقاتل إنما يلام على فعله، لاعلى موت مقتوله ولا على أخذ القصاص منه.
فعلمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث كما ترى كيف نسأل عند المحاجة، وبين لنا صلى الله عليه وسلم أن المحاجة جائزة، وأن من أخطأ موضع السؤال كان محجوجا، وظهر بذلك قول الله عز وجل: * (كما أرسلنا فيكم رسولا منكم يتلوا عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون) *.
والذي ذكرنا هو نص الحديث لا ما ظنه من يتعسف الكلام ويحرفه عن مواضعه، ويطلب فيه ما ليس فيه، وليس هذا الحديث من باب إثبات القدر في شئ، وإثبات القدر إنما يصح من أحاديث أخر وآيات أخر.
قال أبو محمد: وقد تحاج المهاجرون والأنصار وسائر الصحابة رضوان الله عليهم، وحاج ابن عباس الخوارج بأمر علي رضي الله عنه، وما أنكر قط أحد من الصحابة الجدال في طلب الحق. فلا معنى لقول لمن جاء بعدهم.
وبالجملة فلا أضعف ممن يروم إبطال الجدال بالجدال. ويريد هدم جميع الاحتجاج بالاحتجاج، ويتكلف فساد المناظرة بالمناظرة، لأنه مقر على نفسه أنه يأتي بالباطل، لان حجته هي بعض الحجج التي يريد إبطال جملتها. وهذه طريق لا يركبها إلا جاهل ضعيف، أو معاند سخيف.
والجدال الذي ندعو إليه هو طلب الحق ونصره. وإزهاق الباطل وتبينه.
فمن ذم طلب الحق وأنكر هدم الباطل فقد ألحد. وهو من أهل الباطل حقا.
والخصام بالباطل هو اللدد الذي قال فيه عليه السلام: أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم أو كما قال صلى الله عليه وسلم.
فإذا قد بطلت كل طريق ادعاها خصومنا في الوصول إلى الحقائق من الالهام