الكهف: * (إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى وربطنا على قلوبهم إذا قاموا فقالوا ربنا رب السماوات والأرض لن ندعو من دونه إليها لقد قلنا إذا شططا. هؤلاء قومنا اتخذوا من دونه آلهة لولا يأتون عليهم بسلطان بين، فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا) * فأثنى الله عز وجل عليهم في إنكارهم قول قومهم إذ لم يقم قومهم على قولهم حجة بينه وصدقهم تعالى في قولهم أن من ادعى قولا بلا دليل فهو مفتر على الله عز وجل الكذب. وقال تعالى: * (ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه فأعرض عنها) * فلا أظلم ممن قامت عليه الحجة من كتاب الله تعالى، ومن كلام نبيه صلى الله عليه وسلم فأعرض عنه، وهو الحجة القاطعة والبرهان الصادع وقال الله تعالى: * (فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) * وقال تعالى: * (بل اتبع الذين ظلموا أهواءهم بغير علم) * فأخبر تعالى كما تسمع أن ما اتبع قولا وافقه بلا علم بصحته فهو ظالم، وإن من لم يرجع إلى ما يسمع من الحق فهو من أهل النار، وقال تعالى: * (ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله) * أنكر الله تعالى أن يكذب المرء بما لا يعلم. فقال تعالى:
* (بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله) فصح بكل ما ذكرنا الوقوف عما لا نعلم والرجوع إلى ما أوجبته الحجة بعد قيامها وقال تعالى: * (ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بالحق لما جاءه).
قال أبو محمد: في هذه الآية كفاية في إيجاب ألا يصدق أحد بما لم تقم عليه حجة، وألا يأتي ما قامت عليه الحجة، فمن أظلم ممن عرف ما ذكرنا وأخذ بوسواس يقوم في نفسه، أو بخبر لم يقم على وجوب تصديقه برهان، أو قلد إنسانا مثله لعله عند الله تعالى على خلاف ما يظن، وعلى كل حال فهو معصوم لكن يخطئ ويصيب. وقال تعالى: * (قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين) فأوجب تعالى أن من كان صادقا في دعواه فعليه أن يأتي بالبرهان وإن لم يأت بالبرهان فهو كاذب مبطل، أو جاهل. وقال تعالى: * (ها أنتم هؤلاء حاججتم فيما لكم به علم فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم) * فلم يوجب تعالى المحاجة إلا بعلم، ومنع منها بغير علم. وقال تعالى: * (فلا تمار فيهم إلا مراء ظاهرا)