أول من تكلم بهذه العربية إسماعيل عليه السلام فهي لغة ولده، والعبرانية لغة إسحاق ولغة ولده. والسريانية بلا شك هي لغة إبراهيم صلى الله عليه وعلى نبينا وسلم بنقل الاستفاضة الموجبة لصحة العلم. فالسريانية أصل لهما وقد قال قوم:
إن اليونانية أبسط اللغات. ولعل هذا إنما هو الآن فإن اللغة يسقط أكثرها.
ويبطل بسقوط دولة أهلها ودخول غيرهم عليهم في مساكنهم أو بنقلهم عن ديارهم واختلاطهم بغيرهم، فإنما يقيد لغة الأمة وعلومها وأما من تلفت دولتهم، وغلب عليهم وأخبارها قوة دولتها، ونشاط أهلها وفراغهم عدوهم، واشتغلوا بالخوف والحاجة والذل وخدمة أعدائهم، فمضمون منهم موت الخواطر، وربما كان ذلك سببا لذهاب لغتهم، ونسيان أنسابهم وأخبارهم وبيود علومهم، هذا موجود بالمشاهدة، ومعلوم بالعقل ضرورة. ولدولة السريانيين مذ ذهبت وبادت آلاف من الأعوام في أقل منها ينسى جميع اللغة. فكيف تفلت أكثرها، والله تعالى اعلم.
ولسنا نقطع على أنها اللغة التي وقف الله تعالى عليها أولا، ولا ندري لعل قائلا يقول: لعل تلك اللغة قد درست البتة وذهبت بالجملة أو لعلها إحدى اللغات الباقية لا نعلمها بعينها، وهذا هو الذي توجبه الضرورة ولا بد مما لا يمكن سواه أصلا، وقد يمكن أن يكون الله تعالى وقف آدم عليه السلام على جميع اللغات التي ينطق بها الناس كلهم الآن. ولعلها كانت حينئذ لغة واحدة مترادفة الأسماء على المسميات ثم صارت لغات كثيرة، إذ توزعها بنوه بعد ذلك، وهذا هو الأظهر عندنا والأقرب، إلا أننا لا نقطع على هذا كما نقطع على أنه لا بد من لغة واحدة وقف الله تعالى عليها، ولكن هذا هو الأغلب عندنا، نعني أن الله تعالى وقف على جميع هذه اللغات المنطوق بها، وإنما ظننا هذا لأننا لا ندري أي سبب دعا الناس ولهم لغة يتكلمون بها ويتفاهمون بها إلى إحداث لغة أخرى، وعظيم التعب في ذلك لغير معنى، ومثل هذا من الفضول لا يتفرع له عاقل بوجه من الوجوه، فإن وجد ذلك فمن فارع فضولي سيئ الاختيار، مشتغل بما لا فائدة فيه عما يعينه، وعما هو آكد عليه من أمور معاده، ومصالح دنياه ولذاته وسائر العلوم النافعة.
ثم من له بطاعة أهل بلده له في ترك لغتهم والكلام باللغة التي عمل لهم،