البرهان، بل هو لنا أبدا، ودامغ لقول مخالفينا، ومزهق له أبدا. ورب قوة باليد قد دمغت بالباطل حقا كثيرا فأزهقته، منها يوم الحرة ويوم قتل عثمان رضي الله عنه، ويوم قتل الحسين وابن الزبير رضي الله عنهم، ولعن قتلتهم، وقد قتل أنبياء كثير وما غلبت حجتهم قط.
قال أبو محمد: وقد علمنا عز وجل الحجة على الدهرية في قوله تعالى: * (وكل شئ عنده بمقدار) *. وقوله تعالى: * (وأحصى كل شئ عددا) * وعلمنا الحجة على الثنوية بقوله تعالى: * (لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا) * وعلى النصارى وعلى جميع الملل، وقد بينا ذلك في كتابنا المرسوم بكتاب الفصل ورأينا فيه عظيم ما أفادنا الله تعالى في ذلك من الحكمة والعلم بالمحاجة وإظهار البرهان بغاية الايجاز والاختصار.
وقد أمر الله بالجدال على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، كما أخبرنا عبد الله بن الربيع قال: أنبأنا محمد بن إسحاق بن السليم، حدثنا ابن الأعرابي، أنبأنا أبو داود، أبو موسى بن إسماعيل، ثنا حماد هو ابن سلمة عن حميد عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم.
قال أبو محمد: وهذا حديث في غاية الصحة، وفيه الامر بالمناظرة وإيجابها كإيجاب الجهاد والنفقة في سبيل الله.
قال أبو محمد: وقد علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وضع السؤال موضعه وكيفية المحاجة في الحديث الذي ذكر محاجة آدم موسى صلى الله عليهما وسلم حدثنا عبد الله بن يوسف بن نامي، عن أحمد بن فتح، عن عبد الوهاب بن عيسى، عن أحمد بن محمد، عن أحمد بن علي، عن مسلم بن الحجاج، عن ابن أبي عمر المكي ومحمد بن حاتم وغيرهما، واللفظ لابن حاتم كلاهما عن سفيان بن عيينة، عن عمرو، هو ابن دينار، عن طاوس قال: سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
احتج آدم وموسى فقال موسى يا آدم أنت أبونا خيبتنا وأخرجتنا من الجنة، فقال له آدم: أنت موسى الذي اصطفاك الله بكلامه، وخط لك بيده، أتلومني على أمر قدر الله علي قبل أن أخلق بأربعين سنة. فحج آدم موسى.