فهذا كلام العزيز الجبار الخالق البارئ قد نصصناه في اتباع البرهان، وتكذيب قول من لا حجة في يديه، وهو الذي لا يسع مسلما خلافه. لا قول من قال اذهب إلى شاك مثلك فناظره، فيقال له: أترى رسول الله صلى الله عليه وسلم كان شاكا إذ علمه ربه تعالى مجادلة أهل الكتاب وأهل الكفر، وأمره بطلب البرهان، وإقامة الحجة على كل من خالفه، ولا قول من قال: أو كلما جاء رجل هو أجدل من رجل تركنا ما نحن عليه، أو كلاما هذا معناه.
قال أبو محمد: وهذا كلام يستوي فيه مع قائله كل ملحد على ظهر الأرض، فلئن وسع هذا القائل ألا يدع ما وجد عليه سلفه بلا حجة لحجة ظاهرة واردة عليه، ليسعن اليهودي والنصراني ألا يدعا ما وجدا عليه سلفهما تقليدا بلا برهان، وألا يقبلا برهان الاسلام الواردة عليهما وحجته القاطعة. قال الله عز وجل ألا لعنة الله على الظالمين الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا.
قال أبو محمد: فإذا قد حض الله تعالى على المجادلة بالحق وأمر بطلب البرهان فقد صح أن طلب الحجة هي سبيل الله عز وجل، بالنص الذي ذكرنا أن من نهى عن ذلك وصد عنه، فهو صاد عن سبيل الله تعالى، ظالم ملعون بلا تأويل إلا الا عين النص الوارد من قبل الله تعالى وبالله نعتصم. وقال تعالى: * (ولا يطأون موطئا يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو نيلا إلا كتب لهم به عمل صالح) ولا غيظ أغيظ على الكفار والمبطلين من هتك أقوالهم بالحجة الصادعة، وقد تهزم العساكر الكبار، والحجة الصحيحة لا تغلب أبدا، فهي أدعى إلى الحق، وأنصر للدين من السلاح الشاكي، والأعداد الجمة، وأفاضل الصحابة الذين لا نظير لهم، إنما أسلموا بقيام البراهين على صحة نبوة محمد صلى الله عليه وسلم عندهم، فكانوا أفضل ممن أسلم بالغلبة بلا خلاف من أحد من المسلمين. وأول ما أمر الله عز وجل نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم أن يدعو له الناس بالحجة البالغة بلا قتال، فلما قامت الحجة وعاندوا الحق، أطلق الله تعالى السيف حينئذ وقال تعالى: * (قل فلله الحجة البالغة) * وقال تعالى: * (بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق) * ولا شك في أن هذا إنما هو بالحجة لان السيف مرة لنا ومرة علينا، وليس كذلك