وقد تحذلق قوم فأداهم ذلك إلى الهلكة، فقالوا: الحدود لا تختلف في قديم ولا محدث، وهذا كلام موجب الكفر، لأنهم يوقعون بذلك الباري تعالى تحت الحدوث، لان كل محدود متناه ومركب، وكل مركب فمخلوق، لأنه مركب من جنسه وفصله المميز له مما جامعه تحت جنسه، فقد جعلوا ربهم محدثا تعالى الله عن ذلك وقالوا: حد العلم أنه صفة لا يتعذر بوجودها على الحي القادر إحكام الفعل.
قال علي: وهذا حد فاسد لان النحل لا يتعذر عليها أحكام بناء الشمع ووضع العسل، ولا تسمى عالمة، وقد يعرض للعالم الناقد خدر يبطل يديه ورجليه فيعتذر عليه كل فعل حكمة أو غير حكمة وعلمه وعقله باقيان.
وقالت طائفة منهم: حد العلم منا ومن الله تعالى أنه صفة يتبين بها المعلوم على ما هو عليه من أحواله.
قال علي: وكلا الحدين فاسد، ونحن نسألهم: أهذه الصفة التي ذكرتم؟ أهي والموصوف بها شئ واحد؟ أم هي والموصوف بها شيئان متغايران؟ فإن قالوا شئ واحد أبطلوا قولهم في الباري تعالى، ووافقوا خصومهم إلا في العبارة فقط، وأيضا فإن كون الصفة والموصوف شيئا واحدا غير موجود في العالم لان الصفات تتعاقب على الموصوفات فتفتي، والموصوف باق بحسبه، ولا شك في أن الفاني غير الباقي، والصفة عرض ونحن لم نقر بعلم الباري تعالى على معنى أنه صفة كصفاتنا، ولكن اتباعا منا للنص الوارد في أن له علما فقط، إلا أننا نقطع على أنه ليس غيره تعالى وأنه ليس عرضا، ونحن لم نسم الباري تعالى عالما، وإنما قلنا:
إنه عليم كما قال تعالى.
فإن قالوا: فأي فرق بين عالم وعليم. قيل لهم: وأي فرق بين الجبار والمتجبر، فسموا ربكم متجبرا، وأي فرق بين أن نسميه تعالى خير الماكرين، وأن له مكرا، ولا نسميه ماكرا، وكذلك نسميه حكيما ولا نسميه عاقلا ونسميه الواحد ولا نسميه الفرد ولا الفذ.
وقد بينا في كتاب الفصل أن أسماءه تعالى أعلام وليست مشتقة أصلا