يميز الحق منها من الباطل، وليس ذلك إلا العقل الذي لا تتعارض دلائله. وقد بينا ذلك في كتاب التقريب.
وقال أبو محمد: ويقال لمن قال بالامام: بأي شئ عرفت صحة قول الإمام، أببرهان أم بمعجزة أم بإلهام؟ أم بقوله مجردا؟. فإن قال ببرهان كلف بأن يأتي به، ولا سبيل له إليه، وإن قال بمعجزة ادعى البهتان لا سيما الآن وهم يقرون أنه قد خفي عنهم موضعه منذ مائة وسبعين عاما، وإن قالوا بالالهام سئلوا بما ذكرنا في إبطال الالهام، وإن قالوا بقوله مجردا سئلوا عن الفرق بين قوله وقول خصومهم في إبطال مذاهبهم دون دليل، ولا سبيل إلى وجه خامس أصلا.
قال أبو محمد: ويقال لمن قال بالتقليد: ما الفرق بينك وبين من قلد غير الذي قلدت أنت، بل كفر من قلدته أنت أو جهله. فإن أخذ يستدل في فضل من قلده كان قد ترك التقليد، وسلك في طريق الاستدلال من غير التقليد، وقد أفردنا في إبطال التقليد بابا ضخما قرب آخر كتابنا هذا استوعبنا فيه إبطاله وبالله التوفيق.
قال أبو محمد علي: ويقال لمن قال لا يدرك شئ إلا من طريق الخبر، أخبرنا الخبر كله حق؟ أم كله باطل؟ أم منه حق وباطل؟ فإن قال هو باطل كله كان قد أبطل ما ذكر أنه لا يعلم شئ إلا به، وفي هذا إبطال قوله وإبطال جميع العلم، وإن قال حق كله، عورض بأخبار مبطلة لمذهبه، فلزمه ترك مذهبه لذلك أو اعتقاد الشئ وضده في وقت واحد، وذلك ما لا سبيل إليه، وكل مذهب أدى إلى المحال وإلى الباطل فهو باطل ضرورة، فلم يبق إلا أن من الخبر حقا وباطلا، فإذا كان كذلك بطل أن يعلم صحة الخبر بنفسه، إذ لا فرق بين صورة الحق منه وصورة الباطل فلا بد من دليل يفرق بينهما، وليس ذلك إلا لحجة العقل المفرقة بين الحق والباطل.
قال أبو محمد علي: ثم يقال لجميعهم: بأي شئ عرفتم صحة ما تدعون إليه، وصحة