قال علي: وهذا حين نأخذ إن شاء الله تعالى في إيراد البراهين على أن خبر الواحد العدل المتصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في أحكام الشريعة يوجب العلم، ولا يجوز فيه البتة الكذب ولا الوهم، فنقول وبالله تعالى التوفيق:
قال الله عز وجل عن نبيه صلى الله عليه وسلم: * (وما ينطق عن الهوى ئ إن هو إلا وحي يوحى) * وقال تعالى:) إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) * وقال تعالى:
* (لتبين للناس ما نزل إليهم) *.
فصح أن كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم كله في الدين وحي من عند الله عز وجل، لا شك في ذلك ولا خلاف بين أحد من أهل اللغة والشريعة في أن كل وحي نزل من عند الله تعالى فهو ذكر منزل، فالوحي كله محفوظ بحفظ الله تعالى له بيقين، وكل ما تكفل الله بحفظه فمضمون ألا يضيع منه وألا يحرف منه شئ أبدا تحريفا لا يأتي البيان ببطلانه، إذ لو جاز غير ذلك لكان كلام الله تعالى كذبا وضمانه خائسا، وهذا لا يخطر ببال ذي مسكة عقل، فوجب أن الدين الذي أتانا به محمد صلى الله عليه وسلم محفوظ بتولي الله تعالى حفظه، مبلغ كما هو إلى كل ما طلبه مما يأتي أبدا إلى انقضاء الدنيا قال تعالى ومن بلغ فإذ ذلك كذلك فبالضروري ندري أنه لا سبيل البتة إلى ضياع شئ قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدين، ولا سبيل البتة إلى أن يختلط به باطل موضوع اختلاطا لا يتميز عن أحد من الناس بيقين، إذ لو جاز ذلك لكان الذكر غير محفوظ، ولكان قول الله تعالى: * (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) * كذبا ووعدا مخلفا وهذا لا يقوله مسلم.
فإن قال قائل: إنما عنى تعالى بذلك القرآن وحده، فهو الذي ضمن تعالى حفظه لسائر الوحي الذي ليس قرآنا. قلنا له وبالله تعالى التوفيق: هذه دعوى كاذبة مجردة من البرهان، وتخصيص للذكر بلا دليل، وما كان هكذا فهو باطل لقوله تعالى قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين) * فصح أن لا برهان له على دعواه،