فما كان منه (أعني معاوية) إلا أن اتجه وجهة اختلاق الأحاديث التي تؤيد ملكه وحكمه، فاستقطب ذوي النفوس المريضة من المرتزقة، والآخرين الذين يريدون الكيد للاسلام والمسلمين، فوضعوا له الأحاديث في هذا.
ومن هذا الذي وضعوه: أن النبي (ص) قال: (سيليكم بعدي البر ببره، ويليكم الفاجر بفجوره، فاسمعوا وأطيعوا في كل ما وافق الحق، فإن أحسنوا فلكم ولهم، وإن أساءوا فلكم وعليهم) (1).
وظلال الصنعة على هذا الحديث واضحة، وهي أنه اختلق ليلغي عنصر العدالة المطلوب توافره من ناحية شرعية في الخليقة، وليلغي وجوب الوقوف بوجه الحاكم الجائر حتى يعود إلى الاستقامة وتعود إلى النظام عدالته الاجتماعية.
ومع هذا كان أمام معاوية وتحقيق هدفه من تحويل الخلافة إلى ملك عضوض تتناوب على عرشه رجال أمية عقبة صلدة، تلك هي إيمان المسلمين بأن الخلافة لعلي وآله، فانبرى وبكل ما أوتي من حول لتذليل هذه العقبة.
(روى المدائني في كتاب الأحداث، وقال: كتب معاوية نسخة واحدة إلى عماله بعد عام الجماعة: (أن برئت الذمة ممن روى شيئا من فضل أبي تراب، وأهل بيته).
وكان أشد البلاء حينئذ أهل الكوفة.
وكتب معاوية إلى عمال في جميع الآفاق: أن لا يجيزوا لأحد من شيعة علي وأهل بيته شهادة.
وكتب إليهم: أن انظروا من قبلكم من شيعة عثمان ومحبيه، وأهل ولايته، والذين يروون فضائله، ومناقبه، فأدنوا مجالسهم، وقربوهم، وأكرموهم، واكتبوا إلي بكل ما يروي كل رجل منهم، واسمه واسم أبيه، وعشيرته.
ففعلوا ذلك حتى أكثروا في فضائل عثمان ومناقبه، لما كان يبعث إليهم معاوية من الصلات، والكساء، والحباء، والقطايع، ويفيضه في العرب منهم والموالي.