وناقش الشيخ السبحاني مناقشة المحقق الحلي - بعد إشارته إليها - بقوله:
(والمناقشة في غير محلها، فإن إنكار عمل الطائفة بأخبار غير العدول لا ينطبق على الواقع، ويتضح ذلك لمن مارس الفقه.
وإنكاره من المحقق عجيب جدا) (1)، لأن المحقق خريت هذه الصناعة، والسابر لمختلف أعماقها وأغوارها، فمن الغريب العجيب أن يفوته وضوح هذا الأمر الجلي.
والذي يظهر لي أن مرجع الخلاف في هذه المسألة هو أن الشيخ الطوسي اعتمد الاستقراء (وهو ملاحظة تعامل الطائفة مع الرواة دليلا لما أبداه من رأي.
والاستقراء - هنا - واضح الدلالة.
وأن القوم اعتمدوا آية النبأ: (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا (حيث دلت بمنطوقها على وجوب التبين في قبول خبر الفاسق، وبمفهومها على عدم وجوب التثبت في قبول خبر العادل.
بتقريب أن المراد من الفسق - هنا - ما يقابل العدالة بمعناها عند الفقهاء.
ونحن إذا حاولنا أن نلتمس معنى الفاسق في الاستعمال القرآني، وبخاصة أن هذه الكلمة لم تستعمل وصفا للانسان في لغة العرب قبل نزول القرآن الكريم، فقد نقل الراغب الأصفهاني في (المفردات: مادة فسق) عن ابن الأعرابي اللغوي الثقة أنه قال: (لم يسمع الفاسق في وصف الانسان في كلام العرب، وإنما قالوا فسقت الرطبة عن قشرها).
وجاء في (معجم ألفاظ القرآن الكريم: مادة فسق): (من الحسي: فسقت الرطبة من قشرها، إذا خرجت.
وفسق فلان في الدنيا فسقا، اتسع فيها ولم يضيقها على نفسه.
وفسق فلان ماله، إذا أهلكه وأنفقه.