وهذا الحكم من العقل قد لا يكون من جهة المصلحة العامة أو المفسدة العامة ولا من جهة الكمال للنفس أو النقص، بل بدافع الخلق الموجود.
وإذا كان هذا الخلق عاما بين جميع العقلاء يكون هذا الحسن والقبح مشهورا بينهم تتطابق عليه آراؤهم. ولكن إنما يدخل في محل النزاع إذا كان الخلق من جهة أخرى فيه كمال للنفس أو مصلحة عامة نوعية فيدعو ذلك إلى المدح والذم. ويجب الرجوع في هذا القسم إلى ما ذكرته عن " الخلقيات " في المنطق (ج 3 ص 20) (1) لتعرف توجيه قضاء الخلق الإنساني بهذه المشهورات.
الرابع: ومن أسباب الحكم بالحسن والقبح " الانفعال النفساني " نحو الرقة والرحمة والشفقة والحياء والأنفة والحمية والغيرة... إلى غير ذلك من انفعالات النفس التي لا يخلو منها إنسان غالبا.
فنرى الجمهور يحكم بقبح تعذيب الحيوان اتباعا لما في الغريزة من الرقة والعطف، والجمهور يمدح من يعين الضعفاء والمرضى ويعنى برعاية الأيتام والمجانين بل الحيوانات، لأ أنه مقتضى الرحمة والشفقة. ويحكم بقبح كشف العورة والكلام البذئ، لأ أنه مقتضى الحياء. ويمدح المدافع عن الأهل والعشيرة والوطن والأمة، لأ أنه مقتضى الغيرة والحمية... إلى غير ذلك من أمثال هذه الأحكام العامة بين الناس.
ولكن هذا الحسن والقبح لا يعدان حسنا وقبحا عقليين، بل ينبغي أن يسميا عاطفيين أو انفعاليين. وتسمى القضايا هذه عند المنطقيين ب " الانفعاليات ". ولأجل هذا لا يدخل هذا الحسن والقبح في محل النزاع مع الأشاعرة، ولا نقول نحن بلزوم متابعة الشرع للجمهور في هذه