إلى ما كنتم درستموه في الجزء الثالث من المنطق من أن المشهورات قسم يقابل الضروريات الست كلها. ومنه نعرف المغالطة في دليل الأشاعرة - وهو أهم أدلتهم - إذ يقولون:
لو كانت قضية الحسن والقبح مما يحكم به العقل لما كان فرق بين حكمه في هذه القضية وبين حكمه بأن الكل أعظم من الجزء. ولكن الفرق موجود قطعا، إذ الحكم الثاني لا يختلف فيه اثنان مع وقوع الاختلاف في الأول.
وهذا الدليل من نوع القياس الاستثنائي قد استثني فيه نقيض التالي لينتج نقيض المقدم.
والجواب عنه: أن المقدمة الأولى - وهي الجملة الشرطية - ممنوعة، ومنعها يعلم مما تقدم آنفا، لأن قضية الحسن والقبح - كما قلنا - من المشهورات، وقضية " أن الكل أعظم من الجزء " من الأوليات اليقينيات، فلا ملازمة بينهما وليس هما من باب واحد حتى يلزم من كون القضية الأولى مما يحكم به العقل ألا يكون فرق بينهما وبين القضية الثانية.
وينبغي أن نذكر جميع الفروق بين المشهورات هذه وبين الأوليات، ليكون أكثر وضوحا بطلان قياس إحداهما على الأخرى. والفارق من وجوه ثلاثة:
الأول: أن الحاكم في قضايا التأديبات العقل العملي، والحاكم في الأوليات العقل النظري.
الثاني: أن القضية التأديبية لا واقع لها إلا تطابق آراء العقلاء، والأوليات لها واقع خارجي.
الثالث: أن القضية التأديبية لا يجب أن يحكم بها كل عاقل لو خلي ونفسه ولم يتأدب بقبولها والاعتراف بها، كما قال الشيخ الرئيس على