غير أن الشارع المقدس حرصا على بعض العبادات - لا سيما الصلاة التي لا تترك بحال - أمر عباده بالاستعاضة عما اضطروا إلى تركه بالإتيان ببدل عنه، فأمر - مثلا - بالتيمم بدلا عن الوضوء أو الغسل، وقد جاء في الحديث " يكفيك عشر سنين " (1). وأمر بالمسح على الجبيرة بدلا عن غسل بشرة العضو في الوضوء والغسل. وأمر بالصلاة من جلوس بدلا عن الصلاة من قيام... وهكذا فيما لا يحصى من الأوامر الواردة في حال اضطرار المكلف وعجزه عن امتثال الأمر الأولي الاختياري أو في حال الحرج في امتثاله.
ولا شك في أن هذه الأوامر الاضطرارية هي أوامر واقعية حقيقية ذات مصالح ملزمة كالأوامر الأولية. وقد تسمى " الأوامر الثانوية " تنبيها على أنها واردة لحالات طارئة ثانوية على المكلف وإذا امتثلها المكلف أدى ما عليه في هذا الحال وسقط عنه التكليف بها.
ولكن يقع البحث والتساؤل فيما لو ارتفعت تلك الحالة الاضطرارية الثانوية ورجع المكلف إلى حالته الأولى من التمكن من أداء ما كان عليه واجبا في حالة الاختيار، فهل يجزئه ما كان قد أتى به في حال الاضطرار، أولا يجزئه بل لابد له من إعادة الفعل في الوقت أداء إذا كان ارتفاع الاضطرار قبل انتهاء وقت الفعل وكنا قلنا بجواز البدار (2) أو إعادته خارج الوقت قضاء إذا كان ارتفاع الاضطرار بعد الوقت؟
إن هذا أمر يصح فيه الشك والتساؤل، وإن كان المعروف بين الفقهاء في فتاويهم القول بالإجزاء مطلقا أداء وقضاء.