والمحقق، وابن إدريس، وغيرهم. وأما مع التعارض فقد وجدناهم لا يطرحون المتعارضين، بل يفتشون عما يحصل به عندهم رجحان أحدهما على الآخر في أنفسهم من ملاحظة حال الراوي، ونحو ذلك.
والحاصل: أن المعلوم هو جواز العمل بهذه الاخبار عند عدم التعارض، وأما في صورة التعارض فجواز العمل بأحدهما مع إمكان ترجيح أحدهما على الآخر - بملاحظة حال الراوي، أو نحوه - غير معلوم، بل المعلوم من حال السلف عدم العمل بدون التفتيش، فيحتاج إلى التفتيش (1) عن حال الرواة، لأنه من جملة ما يحصل به الترجيح ضرورة.
على: أن الشكوك المذكورة مصادمة للضرورة، إذ ربما يحصل من التفتيش العلم العادي بعدالة بعض الرواة وضبطه وديانته، فإنا بعد التفتيش حصل لنا القطع بثقة مثل سلمان الفارسي رضي الله عنه، والمقداد، وأبي ذر، وعمار، رضي الله عنهم، ونظرائهم، وزرارة، وبريد (2)، وأبي بصير المرادي، والفضيل، ونظرائهم، وجميل بن دراج، وصفوان، وابن أبي عمير، والبزنطي، ونظرائهم، وإنكار ذلك مكابرة.
وربما نحكم بعدالة شخص لم نره، ولم يشهد عندنا من نعتمد على قوله، بل بمجرد الاطلاع على أحواله وسيرته، وعلمنا بعدالة مثل الشيخ أبي جعفر الطوسي، والسيد المرتضى، والمحقق، وأمثالهم - من هذا القبيل، فإنا قبل ملاحظة كتب الرجال كان هذا العلم حاصلا لنا من تقديم العلماء إياهم والاقتداء بهم، إلى غير ذلك من القرائن، فلا يلزم من الشكوك المذكورة سد باب الاحتياج إلى علم الرجال والتفتيش عن أحوالهم.
نعم هذا العلم لا يحصل إلا في قليل من الرواة غير أصحاب الأصول.