يقولون: إن العقل يدرك أن الله تعالى شرع أحكام الافعال بحسب ما يظهر من مصالحها ومفاسدها، فهو طريق عندهم إلى العلم بالحكم (1) الشرعي، والحكم الشرعي تابع لهما، لا عينهما، فما كان حسنا جوزه الشرع، وما كان قبيحا منعه، فصار عند المعتزلة حكمان: أحدهما عقلي، والآخر شرعي تابع له، فبان أنهم لا يقولون: إنه - يعني (2) العقاب والثواب - ليس بشرعي أصلا، خلافا لما توهمه (3) عبارة المصنف، وغيره.
والثاني: ما اقتصر عليه المصنف من حكاية قولين (4)، هو المشهور، وتوسط قوم، فقالوا: قبحها ثابت بالعقل، والعقاب يتوقف على الشرع، وهو الذي ذكره أسعد بن علي الزنجاني من أصحابنا، وأبو الخطاب من الحنابلة، وذكره الحنفية، وحكوه عن أبي حنيفة نصا، وهو المنصور، لقوته من حيث الفطرة، وآيات القرآن المجيد، وسلامته من الوهن والتناقض، فههنا أمران:
الأول إدراك العقل حسن الأشياء وقبحها، الثاني، أن ذلك كاف في الثواب والعقاب، وإن لم يرد شرع، ولا تلازم (5) بين الامرين، بدليل، (ذلك أن لم يكن ربك مهلك القرى بظلم) * أي: بقبيح فعلهم (6) * (وأهلها غافلون) * (7) أي: لم تأتهم الرسل والشرائع، ومثله:
* (ولولا أن تصيبهم مصيبة بما قدمت أيديهم) * أي: من القبائح * (فيقولوا ربنا