تفسير أبي السعود - أبي السعود - ج ٩ - الصفحة ٤٤
ظنوا» أي الانس «كما ظننتم» أيها الجن على أنه كلام بعضهم لبعض «أن لن يبعث الله أحدا» وقيل المعنى ان الجن ظنوا كما ظننتم أيها الكفرة الخ فتكون هذه الآية وما قبلها من جملة الكلام الموحى به والأقرب انهما كذلك على كل تقدير عطفا على أنه استمع إذ لا معنى لإدراجهما تحت ما ذكر من الايمان والتصديق وكذا قوله تعالى «وأنا لمسنا السماء» وما بعده من الجمل المصدرة بأنا ينبغي أن تكون معطوفة على ذلك على أن الموحى عين عبارة الجن بطريق الحكاية كأنه قيل قل أوحى إلي كيت وكيت وهذه العبارات اي طلبنا بلوغ السماء أو خبرها واللمس مستعار من المس للطلب كالجس يقال لمسه والتمسه وتلمسه كطلبه وأطلبه وتطلبه «فوجدناها ملئت حرسا» اي حراسا اسم جمع كخدم مفرد اللفظ ولذلك قيل «شديدا» قويا وهم الملائكة يمنعونهم عنها «وشهبا» جمع شهاب وهي الشعلة المقتبسة من نار الكواكب «وأنا كنا نقعد» قبل هذا «منها» من السماء «مقاعد للسمع» خالية عن الحرس والشهب أو صالحة للترصد والاستماع وللسمع متعلق بنقعد اي لأجل السمع أو بمضمر هو صفة لمقاعد كائنة للسمع «فمن يستمع الآن» في مقعد من المقاعد «يجد له شهابا رصدا» اي شهابا راصدا له ولأجله يصده عن الاستماع بالرجم أو ذوي شهاب راصدين له على أنه اسم مفرد في معنى الجمع كالحرس قيل حدث هذا عند مبعث النبي عليه الصلاة والسلام والصحيح أنه كان قبل البعث أيضا لكنه كثر الرجم بعد البعثة وزاد زيادة حتى تنبه لها الانس والجن ومنع الاستراق أصلا فقالوا ما هذا الا لأمر اراده الله تعالى بأهل الأرض وذلك قولهم «وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض» بحراسة السماء «أم أراد بهم ربهم رشدا» اي خيرا ونسبة الخير إلى الله تعالى دون الشر من الآداب الشريفة القرآنية كما في قوله تعالى وإذا مرضت فهو يشفين ونظائره «وأنا منا الصالحون» اي الموصوفون بصلاح الحال في شأن أنفسهم وفي معاملتهم مع غيرهم المائلون إلى الخير والصلاح حسبما تقتضيه الفطرة السليمة لا إلى الشر والفساد كما هو مقتضى النفوس الشريرة «ومنا دون ذلك» اي قوم دون ذلك فحذف الموصوف وهم المقتصدون في صلاح الحال على الوجه المذكور لا في الايمان والتقوى كما توهم فان هذا بيان لحالهم قبل استماع القرآن كما تعرب عنه قوله تعالى «كنا طرائق قددا» وأما حالهم بعد استماعه فسيحكى بقوله تعالى وأنا لما سمعنا الهدى إلى قوله تعالى وأنا منا المسلمون أي كنا قبل هذا ذوي طرائق اي مذاهب أو مثل طرائق في اختلاف الأحوال أو كانت طرائقنا طرائق قدد اي متفرقة مختلفة
(٤٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة