من قوله لا أملك فإن التبليغ إرشاد ونفع وما بينهما اعتراض مؤكد لنفي الاستطاعة أو من ملتحدا أي لن أجد من دونه منجا إلا أن أبلغ عنه ما أرسلني به وقيل إلا مركبة من أن الشرطية ولا النافية ومعناه أن لا أبلغ بلاغا من الله والجواب محذوف لدلالة ما قبله عليه ورسالاته عطف على بلاغا ومن الله صفته لا صلته أي لا أملك لكم إلا تبليغا كائنا منه تعالى ورسالاته التي أرسلني بها «ومن يعص الله ورسوله» في الأمر بالتوحيد إذ الكلام فيه «فأن له نار جهنم» وقرئ بفتح الهمزة على فحقه أو فجزاؤه أن له نار جهنم «خالدين فيها» في النار أو في جهنم والجمع باعتبار المعنى أبدا بلا نهاية وقوله تعالى «حتى إذا رأوا ما يوعدون» غاية لمحذوف يدل عليه الحال من استضعاف الكفار لأنصاره عليه الصلاة والسلام واستقلالهم لعدده كأنه قيل لا يزالون على ما هم عليه حتى إذا رأوا ما يوعدون من فنون العذاب في الآخرة فسيعلمون حينئذ «من أضعف ناصرا وأقل عددا» وحمل ما يوعدون على ما رأوا يوم بدر يأباه قوله تعالى «قل إن أدري» أي ما أدري «أقريب ما توعدون أم يجعل له ربي أمدا» فإنه رد لما قاله المشركون عند سماعهم ذلك متى يكون ذلك الموعود إنكارا له واستهزاء به فقيل قل إنه كائن لا محالة وأما وقته فما أدرى متى يكون «عالم الغيب» بالرفع قيل هو بدل من ربي أو بيان له ويأباه الفاء في قوله تعالى «فلا يظهر على غيبه أحدا» إذ يكون النظم حينئذ أم يجعل له عالم الغيب أمدا فلا يظهر عليه أحدا وفيه من الاختلال مالا يخفى فهو خبر مبتدأ محذوف أي هو عالم الغيب والجملة استئناف مقرر لما قبله من عدم الدراية والفاء لترتيب عدم الإظهار على تفرده تعالى بعلم الغيب على الإطلاق أي فلا يطلع على غيبه إطلاعا كاملا ينكشف به جلية الحال انكشافا تاما موجبا لعين اليقين أحدا من خلقه «إلا من ارتضى من رسول» أي إلا رسولا ارتضاه لاظهاره على بعض غيوبه المتعلقة برسالته كما يعرب عنه بيان من ارتضى بالرسول تعلقا تاما إما لكونه من مبادئ رسالته بأن يكون معجزة دالة على صحتها وإما لكونه من أركانها وأحكامها كعامة التكاليف الشرعية التي أمر بها المكلفون وكيفيات أعمالهم وأجزيتها المترتبة عليها في الآخرة وما تتوقف هي عليه من أحوال الآخرة التي من جملتها قيام الساعة والبعث وغير ذلك من الأمور الغيبية التي بينها من وظائف الرسالة وأما مالا يتعلق بها على أحد الوجهين من الغيوب التي من جملتها وقت قيام الساعة فلا يظهر عليه أحدا على أن بيان وقته مخل بالحكمة التشريعية التي عليها يدور فلك الرسالة وليس فيه ما يدل على نفي كرامات الأولياء
(٤٧)