تفسير أبي السعود - أبي السعود - ج ٩ - الصفحة ١٠٤
أحد ما عمله من خير أو شر بأن يشاهده مدونا في صحيفة أعماله وقد كان نسيه من فرط الغفلة وطول الأمد كقوله تعالى أحصاه الله ونسوه ويجوز أن تكون ما مصدرية وبرزت الجحيم عطف على جاءت أي أظهرت اظهارا بينا لا يخفى على أحد لمن يرى كائنا من كان يروى أنه يكشف عنها فتتلظى فيرها كل ذي بصر وقرئ وبرزت بالتخفيف ولمن رأى ولمن ترى على فيه ضمير الجحيم كما في قوله تعالى إذا رأتهم من مكان بعيد وعلى أنه خطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم أي لم تراه من الكفار وقوله تعالى فأما من طغى الخ جواب فإذا جاءت على طريقة قوله تعالى فاما يأتينكم مني هدى الآية وقيل هو تفصيل للجواب المحذوف تقديره انقسم الراؤون قسمين فأما فأما من الخ والذي تستدعيه فخامة التنزيل ويقتضيه مقام التهويل أن الجواب المحذوف كان من عظائم الشؤون ما لم تشاهده العيون كما مر في قوله تعالى يوم يجمع الله الرسل أي فأما من عتا وتمرد عن الطاعة وجاوز الحد في العصيان آثر الحياة الدنيا الفانية التي هي على جناح الفوات فانهمك فيما متع به فيها ولم يستعد للحياة الأخروية الأبدية بالايمان والطاعة فان الجحيم التي ذكر شأنها هي المأوى أي هي مأواه واللام سادة مسد الإضافة للعلم بأن صاحب المأوى هو الطاغي كما في قولك غض الطرف ودخول اللام في المأوى والطرف للتعريف لأنهما معروفان وهي اما ضمير فصل أو مبتدأ قيل نزلت الآية في النضر وأبيه الحرث المشهورين بالغلو في الكفر والطغيان وأما من خاف مقام ربه أي مقامه بين يدي مالك أمره يوم الطامة الكبرى يوم يتذكر الانسان ما سعى ونهى النفس عن الهوى عن الميل اليه بحكم الجبلة البشرية ولم يعتد بمتاع الحياة الدنيا وزهرتها ولم يغتر بزخارفها وزينتها علما منه بوخامة عاقبتها فان الجنة هي المأوى له لا غيرها وقيل نزلت الآيتان في أبي عزيز بن عمير ومصعب بن عمير وقد قتل مصعب أخاه أبا عزيز يوم أحد ووقي رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى استشهد رضي الله عنه هذا وقد قيل جواب إذا ما يدل عليه قوله تعالى يوم يتذكر الخ أي فإذا جاءت الطامة الكبرى يتذكر الانسان ما سعى على طريقة
(١٠٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 99 100 101 102 103 104 105 106 107 108 109 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة