تفسير أبي السعود - أبي السعود - ج ٩ - الصفحة ١٠٢
وأكمل في الاحسان وإضافة الليل والضحى إلى السماء لدوران حدوثهما على حركتهما ويجوز أن تكون إضافة الضحى إليها بواسطة الشمس أي أبرز ضوء شمسها والتعبير عنه بالضحى لأنه وقت قيام سلطانها وكما اشراقها والأرض بعد ذلك دحاها أي بسطها ومهدها لسكنى أهلها وتقلبهم في أقطارها وانتصاب الأرض بمضمر يفسره دحاها «أخرج منها ماءها» بأن فجر منها عيونا وأجرى أنهارا ومرعاها أي رعيها وهو في الأصل موضع الرعي وقيل هو مصدر ميمي بمعنى مفعول وتجريد الجملة عن العاطف اما لأنها بيان وتفسير لدحاها وتكملة له فان السكنى لا تتأتى بمجرد البسط والتمهيد بل لا بد من تسوية أمر المعاش من المأكل والمشرب حتما واما لأنها حال من فاعله باضمار قد عند الجمهور أو بدونه عن الكوفيين والأخفش كما في قوله تعالى أو جاءوكم حصرت صدورهم والجبال منصوب بمضمر يفسره أرساها أي أثبتها وأثبت بها الأرض أن تميد بأهلها وهذا تحقيق للحق وتنبيه على أن الرسو المنسوب إليها في مواضع كثيرة من التنزيل بالتعبير عنها بالرواسي ليس من مقتضيات ذواتها بل هو بإرسائه عز وجل ولولاه لما ثبتت في أنفسها فضلا عن اثباتها للأرض وقرئ والأرض والجبال بالرفع على الابتداء ولعل تقديم اخراج الماء والمرعى ذكرا مع تقدم الارساء عليه وجودا وشدة تعلقه بالدحو لابراز كمال الاعتناء بأمر المأكل والمشرب مع ما فيه من دفع توهم رجوع ضميري الماء والمرعى إلى الجبال وهذا كما ترى يدل يظاهره على تأخر دحو الأرض عن خلق السماء وما فيها كما يروى عن الحسن من أنه تعالى خلق الأرض في موضع بيت المقدس كهيئة الفهر عليه دخان ملتزق بها ثم اصعد الدخان وخلق منه السماوات وأمسك الفهر في موضعها وبسط منها الأرض وذلك قوله تعالى كانتا رتقا ففتقناهما الآية وقد مر في سورة حم السجدة أن قوله تعالى قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين إلى قوله تعالى ثم استوى إلى السماء وهي دخان الآية ان حمل ما فيه من الخلق وما عطف عليه من الأفعال الثلاثة على معانيها الظاهرة لا على تقديرها فهو وما في سورة البقرة من قوله تعالى هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سماوات يدلان على تقدم خلق الأرض وما فيها على خلق السماء وما فيها وعليه اطباق أكثر أهل التفسير وقد روي أن العرش كان قبل خلق السماوات والأرض على الماء ثم انه تعالى أحدث في الماء اضطرابا فأزبد فارتفع منه دخان فاما الزبد فبقي على وجه الماء فخلق منه اليبوسة فجعله أرضا واحدة ثم فتقها فجعلها أرضين وأما الدخان فارتفع وعلا فخلق منه السماوات وروي أنه تعالى خلق جرم الأرض يوم الأحد ويوم
(١٠٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 97 98 99 100 101 102 103 104 105 106 107 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة