وقرئ يتوفى مبنيا للفاعل اي يتوفاه الله تعالى «ومنكم من يرد إلى أرذل العمر» وهو الهرم والخوف وقرئ بسكون الميم وإيراد الرد والتوفى على صيغة المبنى للمفعول للجرى على سنن الكبرياء لتعيين الفاعل «لكيلا يعلم من بعد علم» أي علم كثير «شيئا» أي شيئا من الأشياء أو شيئا من العلم مبالغة في انتفاص علمه وانتكاس حاله أي ليعود إلى ما كان عليه في أوان الطفولية من ضعف البنية وسخافة العقل وقلة الفهم فينسى ما علمه وينكر ما عرفه ويعجز عما قدر عليه وفيه من التنبيه على صحة البعث مالا يخفى «وترى الأرض هامدة» حجة أخرى على صحة البعث والخطاب لكل أحد ممن يتأتى منه الرؤية وصيغة المضارع للدلالة على التجدد والاستمرار وهي بصرية وهامدة حال من الأرض أي ميتة يابسة من همدت النار إذا صارت رمادا «فإذا أنزلنا عليها الماء» أي المطر «اهتزت» تحركت بالنبات «وربت» انتفخت وازدادت وقرئ ربأت أي ارتفعت «وأنبتت من كل زوج» أي صنف «بهيج» حسن رائق يسر ناظره «ذلك بأن الله هو الحق» كلام مستأنف جيء به إثر تحقيق حقية البعث وإقامة البرهان عليه من العالمين الإنساني والنباتي لبيان أن ذلك من آثار ألوهيته تعالى وأحكام شؤونه الذاتية والوصفية والفعلية وان ما ينكرون وجوده بل إمكانه من إتيان الساعة والبعث من أسباب تلك الآثار العجيبة التي يشاهدونها في الأنفس والآفاق ومبادى صدورها عنه تعالى وفيه من الإيذن بقوة الدليل وأصله المدلول في التحقيق وإظهار بطلان إنكاره مالا يخفى فإن إنكار تحقق السبب مع الجزم بتحقيق المسبب مما يقضى ببطلانه بديهة العقول والمراد بالحق هو الثابت الذي يحق ثبوته لا محاله لكونه لذاته لا الثابت مطلقا وذلك إشارة إلى ما ذكر من خلق الإنسان على أطوار مختلفة وتصريفه في أحوال متباينة وإحياء الأرض بعد موتها وما فيه من معنى البعد للإيذان ببعد منزلته في الكمال وهو مبتدأ خبره الجار والمجرور اي ذلك الصنع البديع حاصل بسبب أنه تعالى هو الحق وحده في ذاته وصفاته وأفعاله المحقق لما سواه من الأشياء «وأنه يحيي الموتى» أي شأنه وعادته إحياؤها وحاصلة أنه تعالى قادر على إحيائها بدء وإعادة وإلا لما أحيا النطفة والأرض الميتة مرارا بعد مرار وما تفيده صيغة المضارع من التجدد إنما هو باعتبار تعلق القدرة ومتعلقها لا باعتبار نفسها «وأنه على كل شيء قدير» أي مبالغ في القدرة وإلا لما أوجد هذه الموجودات الفائتة للحصر التي من جملتها ما ذكر وأما الاستدلال على ذلك بان قدرته تعالى لذاته الذي نسبته إلى الكل سواء فلما دلت المشاهدة على قدرته على إحياء بعض الأموات لزم اقتداره على إحياء كلها فمنشأه الغفول عما سيق له النظم الكريم من بيان كون الآثار الخاتمة المذكورة من فروع القدرة العامة اللامة ومسبباتها وتخصيص إحياء الموتى بالذكر مع كونه من جملة الأشياء المقدور عليها للتصريح بما فيه النزاع والدفع في نحور المنكرين وتقديمه لإبراز الاعتناء به «وأن الساعة آتية» أي فيما سيأتي وإيثار صيغة الفاعل على الفعل للدلالة على تحقيق إتيانها وتقرره البتة لاقتضاء الحكمة إياه لا محالة وتعليله بأن التغير من مقدمات الإنصرام وطلائعه مبنى على ما ذكر من الغفول وقوله تعالى «لا ريب فيه» إما خبر
(٩٥)