وقوله تعالى «كتب عليه» أي على الشيطان صفة أخرى له وقوله تعالى «أنه» فاعل كتب والضمير للشأن أي رقم به لظهور ذلك من حاله أن الشأن «من تولاه» أي اتخذه وليا وتبعه «فإنه يضله» بالفتح على أنه خبر مبتدأ محذوف أو مبتدأ خبره محذوف والجملة جواب الشرط إن جعلت من شرطية وخبر لها إن جعلت موصولة متضمنة لمعنى الشرط أي من تولاه فشأنه أنه يضله عن طريق الجنة أو طريق الحق أو فحق انه يضله قطعا وقيل فإنه معطوف على أنه وفيه من التعسف مالا يخفى وقيل وقيل مما لا يخلو عن التمحل والتأويل وقرئ فإنه بالكسر على أنه خبر لمن أو جواب لها وقرئ بالكسر فيهما على حكاية المكتوب كما هو مثل ما في قولك كتبت إن الله يأمر بالعدل والإحسان أو على إضمار القول أو تضمين الكتب معناه على رأى من يراه «ويهديه إلى عذاب السعير» بحمله على مباشرة ما يؤدى إليه من السيئات «يا أيها الناس» إثر ما حكى أحوال المجادلين بغير علم وأشير إلى ما يؤول إليه أمرهم أقيمت الحجة الدالة على تحقيق ما جادلوا فيه من البعث «إن كنتم في ريب من البعث» من إمكانه وكونه مقدورا له تعالى أو من وقوعه وقرئ من البعث بالتحريك كالجلب في الجلب والتعبير عن اعتقادهم في حقه بالريب مع التنكير المنبىء عن القلة مع انهم جازمون باستحالته وإيراد كلمة الشك مع تقرر حالهم في ذلك وإيثار ما عليه النظم الكريم على أن يقال إن ارتبتم في البعث فقد مر تحقيقه في تفسير قوله تعالى وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا «فإنا خلقناكم» أي فانظروا إلى مبدأ خلقكم ليزول ريبكم فانا خلقناكم أي خلقنا كل فرد منكم «من تراب» في ضمن خلق آدم منه خلقا إجماليا فإن خلق كل فرد من أفراد البشر له خظ من خلقه عليه السلام إذا لم تكن فطرته الشريفة مقصورة على نفسه بل كانت أنموذجا منطويا على فطرة سائر أفراد الجنس انطواء إجماليا مستتبعا لجريان آثارها على الكل فكان خلقه عليه السلام من التراب خلقا للكل منه كما مر تحقيقه مرارا «ثم من نطفة» أي ثم خلقناكم خلقا تفصيليا من نطفة أي من منى من النطف الذي هو الصب «ثم من علقة» أي قطعة من الدم جامدة متكونة من المنى «ثم من مضغة» أي من قطعة اللحم متكونة من العلقة وهي في الأصل مقدار ما يمضغ «مخلقة» بالجر صفة مضغة أي مستبينة الخلق مصورة «وغير مخلقة» أي لم يستبن خلقها وصورتها بعد والمراد تفصيل حال المضغة وكونها أولا قطعة لم يظهر فيها شيء
(٩٣)