عليه السلام «وجعلناها وابنها» أي قصتهما أو حالهما «آية للعالمين» فإن من تأمل حالهما تحقق كمال قدرته عز وجل فالمراد بالآية ما حصل بهما من الآية التامة مع تكاثر آيات كل واحد منهما وقيل أريد بالآية الجنس الشامل لما لكل واحد منهما من الآيات المستقلة وقيل المعنى وجعلناها آية وابنها آية فحذفت الأولى لدلالة الثانية عليها «إن هذه» أي ملة التوحيد والإسلام أشير إليها بهذه تنبيها على كمال ظهور امرها في الصحة والسداد «أمتكم» أي ملتكم التي يجب ان تحافظوا على حدودها وتراعوا حقوقها ولا تخلوا بشيء منها والخطاب للناس قاطبة «أمة واحدة» نصب على الحالية من أمتكم اي غير مختلفة فيما بين الأنبياء عليهم السلام إذ لا مشاركة لغيرها في صحة الاتباع ولا احتمال لتبدلها وتغيرها كفروع الشرائع المتبدلة حسب تبدل الأمم والاعصار وقرئ أمتكم بالنصب على البدلية من اسم إن وأمة واحدة بالرفع على الخبرية وقرئتا بالرفع على أنهما خبران «وأنا ربكم» لا إله لكم غيري «فاعبدون» خاصة لا غير وقوله تعالى «وتقطعوا أمرهم بينهم» التفات إلى الغيبة لينعى عليهم ما أفسدوه من التفرق في الدين وجعل أمره قطعا موزعة وينهى قبائح أفعالهم إلى الآخرين كأنه قيل إلا ترون إلى عظيم ما ارتكب هؤلاء في دين الله الذي أجمعت عليه كافة الأنبياء عليهم السلام «كل» أي كل واحدة من الفرق المتقطعة أوكل واحد من آحاد كل واحدة من تلك الفرق «إلينا راجعون» بالبعث لا إلى غيرنا فتجازيهم حينئذ بحسب أعماله وإيراد اسم الفاعل للدلالة على الثبات والتحقق وقوله تعالى «فمن يعمل من الصالحات» الخ تفصيل للجزاء أي فمن يعمل بعض الصالحات أو بعضا من الصالحات «وهو مؤمن» بالله ورسله «فلا كفران لسعيه» أي لا حرمان لثواب عمله ذلك عبر عن ذلك بالكفران الذي هو ستر النعمة وجحودها لبيان كمال نزاهته تعالى عنه بتصويره بصورة ما يستحيل صدوره عنه تعالى من القبائح وإبراز الإثابة في معرض الأمور الواجبة عليه تعالى ونفى نفى الجنس للمبالغة في التنزيه وعبر عن العمل بالسعي لإظهار الاعتداد به «وإنا له» أي لسعيه «كاتبون» أي مثبتون في صحائف أعمالهم لا نغادر من ذلك شيئا «وحرام على قرية» أي ممتنع على أهلها غير متصور منهم وقرئ حرم وهي لغة كالحل والحلال «أهلكناها» قدرنا هلاكها أو حكمنا به لغاية طغيانهم وعتوهم وقوله تعالى «أنهم لا يرجعون» في حيز كل إلينا راجعون وما في ان من معنى التحقيق معتبر في النفي المستفاد الرفع على أنه مبتدأ خبره حرام أو فاعل له ساد مسد خبره والجملة لتقرير مضمون ما قبلها من قوله تعالى من حرام لا في المنفى أي ممتنع البتة عدم رجوعهم إلينا للجزاء لا أن عدم رجوعهم المحقق ممتنع وتخصيص امتناع عدم رجوعها بالذكر مع شمول
(٨٤)