العبادة دون العادة «وما أرسلناك» بما ذكر وبأمثاله من الشرائع والأحكام وغير ذلك من الأمور التي هي مناط لسعادة الدارين «إلا رحمة للعالمين» هو في حيز النصب على أنه استثناء من أعم العلل أو من أعم الأحوال أي ما أرسلناك أذكر لعلة من العلل إلا برحمتنا الواسعة للعالمين قاطبة أو ما أرسلناك في حال من الأحوال إلا حال كونك رحمة لهم فإن لها بعثت به سبب لسعادة الدارين ومنشأ لانتظام مصالحهم في النشأتين ومن لم يغتنم مغانم آثاره فإنما فرط في نفسه وحرمه حقه لا أنه تعالى حرمه مما يسعده وقيل كونه رحمه في حق الكفار أمنهم من الخسف والمسخ والاستئصال حسبما ينطق به قوله تعالى وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم «قل إنما يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد» اي ما يوحى إلى إلا أنه لا إله لكم إلا إله واحد لأنه المقصود الأصلي من البعثة وأما ما عداه فمن الأحكام المتفرعة عليه فإنما الأولى لقصر الحكم على الشيء كقولك إنما يقوم زيد أي ما يقوم إلا زيد والثانية لقصر الشيء على الحكم كقولك إنما زبد قائم أي ليس له إلا صفة القيام «فهل أنتم مسلمون» أي مخلصون العبادة لله تعالى مخصصون لها به تعالى والفاء للدلالة على أن ما قبلها موجب لما بعدها قالوا فيه دلالة على أن صفة الوحدانية تصح أن يكون طريقها السمع «فإن تولوا» عن الإسلام ولم يلتفتوا إلى ما يوجبه من الوحي «فقل» لهم «آذنتكم» أي أعلمتكم ما أمرت به أو حربي لكم «على سواء» كائنتين على سواء في الإعلام به لم أطوه عن أحد منكم أو مستوين به أنا وأنتم في العلم بما أعلمتكم به أو في المعادة أو إيذانا على سواء وقيل أعلمتكم أنى على سواء أي عدل واستقامة رأى بالبرهان النير «وإن أدري» أي ما أدرى «أقريب أم بعيد ما توعدون» من غلبة المسلمين وظهور الدين أو الحشر مع كونه آتيا لا محالة «إنه يعلم الجهر من القول» أي ما تجاهرون به من الطعن في الإسلام وتكذيب الآيات التي من جملتها ما نطق بمجيء الموعود «ويعلم ما تكتمون» من الإحن والأحقاد للمسلمين فيجازيكم عليه نقيرا أو قطميرا «وإن أدري لعله فتنة لكم» أي ما أدرى لعل تأخير جزائكم استدراج لكم وزيادة في افتتانكم أو امتحان لكم لينظر كيف تعملون «ومتاع إلى حين» أي وتمتع لكم إلى أجل مقدر تقتضيه مشيئته المبنية على الحكم البالغة ليكون ذلك حجة عليكم
(٨٩)